للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والنفسَ انشراحًا، كالعلم الرياضي والطبيعي والهندسةِ والهيئةِ والطب.

وبالجملة: فالعلمُ بكل فنٍّ خيرٌ من الجهل به بكثير، ولا سيَّما من رَشَّح نفسَه للطبقة العليَّةِ والمنزلةِ الرفيعة؛ ودعْ عنك ما تسمعُه من التشنيعات؛ فإنها كما قدمنا لك شُعبةٌ من التقليد، وأنت بعدَ العلم بأيِّ علمٍ من العلوم حاكمٌ عليه بما قد تحصَّل لديك من العلم، غيرُ محكومٍ عليك، واختَرْ لنفسك ما يحلو، وليس يُخشى على مَنْ قد ثَبَت قدمُه في علم الشرع من شيءٍ، وإنما يُخشى على مَنْ كان غيرَ ثابتِ القدم في علوم الكتاب والسُّنة؛ فإنه ربما يتزلزل، وتتحوَّلُ ثقتُه.

فإذا قدَّمتَ العلمَ بما قدمناه لك من العلوم الشرعية، فاشتغِلْ بما شئت، واستكثِرْ من الفنون ما أردت، وتبحَّر في الدقائق ما استطعت، وجاوِب مَنْ خالفك وعَذَلك (١) وشنَّع عليك بقول القائل:

أتانا أن سَهْلًا ذمَّ جَهْلًا … علومًا ليس يَعرِفُهُنَّ سهلُ

علومًا لو دَراها ما قَلاها … ولكنَّ الرضا بالجَهلِ سهلُ (٢)

وإني لأَعجبُ من رجلٍ يدَّعي الإنصافَ والمحبةَ للعلم، ويجري على لسانِه الطعنُ في علمٍ من العلوم لا يَدري به، ولا يعرفُه، ولا يعرفُ موضوعَه، ولا غايتَه، ولا فائدتَه، ولا يَتصوَّرُه بوجهٍ من الوجوه! وقد رأينا كثيرًا ممن عاصَرْنا ورأيناه يشتغلُ بالعلم، ويُنصِفُ في مسائل الشرع، ويقتدي بالدليل؛ فإذا سمع مسألةً من فنٍّ من الفنون التي لا يعرفُها كعِلم المنطق، والكلام، والهيئة، ونحو ذلك، نَفَر منه طبعُه، ونَفَّر عنه غيرَه، وهو لا يدري ما تلك


(١) عذَلَك: لامك.
(٢) قلاها: كرهها.

<<  <   >  >>