للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسألة، ولا يَعقِلُها قط، ولا يَفهم شيئًا منها (١)!.

فما أحقَّ مَنْ كان هكذا بالسكوت، والاعترافِ بالقصور، والوقوفِ حيث أوقَفَه اللَّه، والتمسُّكِ في الجواب إذا سُئل عن ذلك بقوله: «لا أدري»؛ فإن كان ولابدَّ متكلمًا ومادحًا أو قادحًا، فلا يكون متكلمًا بالجهل، وعائبًا لما لا يفهمُه، بل يُقدِّمُ بين يدي ذلك الاشتغالَ بذلك الفنِّ حتى يعرفَه حقَّ المعرفة، ثم يقول بعد ذلك ما شاء.

ولقد وجدنا لكثيرٍ من العلوم التي ليست من علم الشرع نفعًا عظيمًا، وفائدةً جليلةً في دفع المُبطِلين والمتعصِّبين وأهلِ الرأي البحت ومن لا اشتغالَ له بالدليل؛ فإنه إذا اشتغل مَنْ يشتغلُ منهم بفنٍّ من الفنون كالمُشتغلين بعلم المنطق، جعلوا كلامَهم ومذاكراتِهم في قواعد فنِّهم، ويعتقدون لعدم اشتغالهم بغيره أن مَنْ لا يُجاريهم في مباحثِه ليس من أهل العلم، ولا هو معدودٌ منهم، وإن كان بالمَحِلِّ العالي من علوم الشرع، فحينئذٍ لا يُبالون بمقالِه، ويُوردِون عليه ما لا يدري ما هو، ويَسخَرون منه، فيكون في ذلك من المهانة على علماء الشريعة ما لا يُقادَرُ قَدْرُه.

وأمَّا إذا كان العالِمُ المتشرِّعُ المتصدِّرُ للهداية إلى المسالك الشرعية، والمناهجِ الإنصافية عالمًا بذلك، فإنه يَجري معهم في فنِّهم، فيَكبُرُ في عيونِهم، ثم يَعطِفُ (٢) عليهم، فيُبيِّنُ لهم بطلانَ ما يعتقدونه بمَسلكٍ من المسالك التي يعرفونها؛ فإن ذلك لا يصعُبُ على مثله، ثم بعد ذلك يوضِّحُ لهم أدلةَ الشرع، فيَقبلون منه أحسنَ قبول، ويقتدون به أتمَّ قُدوة.


(١) أما من تكلم عن تلك العلوم عن بصيرةٍ، أو نَقَل عن أكابر أهل العلم أقوالَهم؛ فلا حرج عليه ولا ملامة.
(٢) يعطف: يميل.

<<  <   >  >>