للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - ومما يقع فيه: أنه بحُكم الطبع الذي استفاده منَ المنشأ وتطبَّع به من أبويه ومن يماثلُهما وإن دخل في مداخل العلم، وتزيَّا بزيِّ أهله، فهم أبغضُ الناس إليه، وأحقرُهم لديه؛ لا يُقيم لهم وزنًا، ولا يعترف لهم بفضيلة؛ بل يكون دَيدنُه وهِجِّيَراهُ (١)، ومعنى كلامه وفحواه: هو التهاونُ بهم، وتحقير ما عظَّمه اللَّهُ من أمرهم، والإغراءُ بين أماثِلهم، والتعرُّضُ للمفاضلةِ بين فضائلهم، وإدخالُ الشحناء بينهم بكل ممكن.

ومَن أنكر هذا، فعليه بالاستقراءِ والتتبُّع، فإنه سيجدُ ما وجدناه، ويقفُ على صحة ما حَكَيناه، ولا يَخرج من هؤلاء إلا النادرُ القليل، ولا يكونُ ذلك إلا لعِرْقٍ ينزعُه إلى الشرف، ويجذبُه إلى الخير في سَلفِه القديم، وإن جَهِلَه مَنْ لم يعرفه.

وبالجملة: فهذا ما تُفيدُه التجربة، وتشيرُ إليه بعضُ الأدلة الشرعية، وإذا صحَّ قوله : «واضِعُ العِلمِ في غير أهلِه كمُقلِّدِ (٢) الخنازيرِ الجوهرَ»، ففيه أعظمُ عبرةٍ للمعتبرين منَ الحاملين لعلوم الدين.

وقد عزاه بعضُ أهل العلم إلى ابن ماجه، ولا أستحضرُه حالَ الرَّقْم (٣) فيما هو في حفظي من أحاديث «سنن ابن ماجه»، فلْيُنظَر.

ثم كشفتُ عنه؛ فوجدتُه في «سنن ابن ماجه»، عن أنسِ بن مالكٍ، قال: قال رسول : «طلبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مسلم، وواضعُ العلم عند غيرِ أهلِه كمقلِّد الخنازيرِ الجوهرَ واللؤلؤَ والذهب»، وفي إسناده «حفصُ بن سليمان


(١) دَيدنه وهجِّيراه: دأبُه وعادته.
(٢) التقليد: تعليق الشيء كالسلسلة في العنق.
(٣) الرَّقْم: الكتابة.

<<  <   >  >>