للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بابٍ غيرِ هذا البابِ لا ينتهي بمن دخل إليه إلى غايةٍ وفائدة (١).


(١) ظاهرٌ من كلام المصنف أنه يقصدَ أن العلمَ بالفلسفة في الجانب الإلهي منها يكشفُ للعبد أباطيلَها وضلالاتِ أهلها؛ ولم يقصد أنها علمٌ ممدوحٌ ينبغي أن يحرص عليه طالب العلم؛ كيف والفلسفةُ من أعظم ما صدَّ الكثيرين عن علم الشريعة، وفيها من الطوامِّ والأباطيل والترهاتِ ما هو معلومٌ لدى أهل العلم، وإليك هذه الكلمات:
قال الإمامُ ابن تيمية : «مِنْ المعلوم أن المعظِّمين للفلسفة والكلام المعتقدين لمضمونِهما هم أبعدُ عن معرفة الحديث وأبعدُ عن اتباعه من هؤلاء [يعني أهل الحديث]؛ هذا أمرٌ محسوس؛ بل إذا كشفتَ أحوالَهم وجدتَهم من أجهل الناس بأقواله وأحوالِه وبواطنِ أموره وظواهرها؛ حتى لتجدُ كثيرًا من العامة أعلم بذلك منهم، وتجدُهم لا يميِّزون بين ما قاله الرسول وما لم يقله؛ بل قد لا يفرِّقون بين حديثٍ متواتر عنه وحديث مكذوبٍ موضوع عليه! وإنما يعتمدون في موافقته على ما يوافق قولهم؛ سواءٌ كان موضوعًا أو غير موضوع». «نقض المنطق» (٨١ - ٨٢).
وقال أيضًا: «ما يوجدُ من إقرار أئمةِ الكلام والفلسفة وشهادتِهم على أنفسهم وعلى بني جنسهم بالضلال، ومِن شهادةِ أئمة الكلام والفلسفة بعضِهم على بعض كذلك: فأكثرُ مِنْ أن يحتملَه هذا الموضع، وكذلك ما يوجدُ من رجوع أئمتهم إلى مذهب عموم أهل السنة وعجائزهم كثيرٌ، وأئمة السنة والحديث لا يَرجع منهم أحد؛ لأنَّ الإيمان حين تخالطُ بشاشتُه القلوبَ لا يَسخَطُه أحد، وكذلك ما يوجد من شهادتِهم لأهل الحديث بالسلامة والخلاص من أنواع الضلال، وهم لا يَشهَدون لأهل البدع إلا بالضلال؛ وهذا باب واسع». «نقض المنطق» (٢١).
وقال أيضًا: «وبالجملة: فالثباتُ والاستقرارُ في أهل الحديث والسُّنة أضعافُ أضعافِ أضعافِ ما هو عند أهلِ الكلام والفلسفة؛ بل المتفلسفُ أعظمُ اضطرابًا وحيرةً في أمره من المتكلم؛ لأن عند المتكلم منَ الحق الذي تلقَّاه عن الأنبياء ما ليس عند المتفلسف، ولهذا تجدُ مثل «أبي الحُسين البصري» وأمثاله؛ أثبَتَ من مثل «ابن سينا» وأمثاله. وأيضًا تجدُ أهلَ الفلسفة والكلام أعظمَ الناس افتراقًا واختلافًا؛ مع دعوى كل منهم أن الذي يقولُه حقٌّ مقطوعٌ به قام عليه البرهان، وأهلُ السنة والحديث أعظمُ الناس اتفاقًا وائتلافًا، وكلُّ مَنْ كان من الطوائف إليهم أقرب، كان إلى الاتفاق والائتلاف أقرب؛ فالمعتزلة أكثرُ اتفاقًا وائتلافًا من المتفلسفة؛ إذ للفلاسفة في الإلهيات والمعاد والنبوَّات بل وفي الطبيعيات والرياضيات وصفات الأفلاك: من الأقوال ما لا يحصيه إلا ذو الجلال». «نقض المنطق» (٤٣). وهذه النقول برُمَّتها من كتاب: «رسائل في الأديان والفرق»، للشيخ محمد بن إبراهيم الحمد (٣١: ٣٣).

<<  <   >  >>