للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ السلامةِ من القتل بالدخول في الإسلام غيرُ صحيح، فيَهربون منه هربًا شديدًا، ويَبعُدون عنه بُعدًا عظيمًا.

وهكذا وقع منه التأثيرُ (١) لجماعةٍ ممن لم تَثبُتُ قدمُه في الإسلام بغنائم «حُنين» كأبي سفيان، والأقرع بن حابس، وعُيينةَ بنِ حصن؛ فكان يعطي الواحدَ من هؤلاء وأمثالهم المِئةَ من الإبل وما يقومُ مقام ذلك، والمهاجرون والأنصارُ الذين هم المُقاتِلةُ المستحقُّون للغنيمة ينظرون إلى ذلك التأثير، ووقع في أنفُسهم ما وقع، حتى قال قائلهم: «يرحَمُ اللَّهُ رسولَ اللَّه ؛ يعطي هؤلاء، وسيوفُنا تقطُرُ من الدماء!»، فلما علموا بما أراده النبيُّ من المصلحةِ العائدة على الإسلام وأهله بتأليف مثل هؤلاء وتأثيرهم بالغنيمة، قَبِلوه أتمَّ قبول، وطابت أنفسُهم أكملَ طِيبةٍ (٢).

وهكذا وقع منه العزمُ على مُصالحةِ الأحزاب بثُلُثِ ثِمارِ المدينة؛ ظنًّا منه بأن في ذلك جلبَ مصلحةٍ ودَفعَ مَفسدة، فلمَّا تبيَّن له أن التركَ أجلبُ للمصلحة وأدفعُ للمفسدة، صار إليه (٣).

وهكذا وَقع منه النهيُ عن تلقيحِ النخل، فلما تبيَّن له ما في ذلك من المصلحة لأهله، أَذِنَ لهم به (٤).


(١) التأثير: الإيثار والتفضيل كما سلف.
(٢) صحيح: رواه أحمد (٣/ ١٦٥)، والبخاري (٣٧٧٨)، ومسلم (١٠٥٩).
(٣) حسن: رواه ابن هشام في «السيرة النبوية» (٣/ ٣١٠ - ٣١١)، وبنحوه عبد الرزاق في «المصنَّف» (٩٧٣٧)، وابن سعد في «الطبقات» مختصرًا (٢/ ٧٣)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (١٤/ ٤٢٠)، والبزار (١٨٠٣)، وذكره الإمام الهيثمي في «المجمع» (٦/ ١٣٢ - ١٣٣)، وحسَّنه، وأقرَّه الشيخ محمد بن صبحي حسن حلاق في تعليقه على «أدب الطلب» (١٦١)، وهذا التخريج مستفادٌ منه.
(٤) صحيح: رواه أحمد (٦/ ١٢٣)، ومسلم (٢٣٦٣)، وابن ماجه (٢٤٧١).

<<  <   >  >>