للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا وقع منه الإذنُ بالعَرايا (١) لمَّا شَكى إليه الفقراءُ ما يَلحقُهم من المفسدة بالمَنع من شراءِ الرُّطَبِ بالتمر؛ مع عِظَم الخطرِ فيما هو مَظِنةُ الرِّبا (٢).

وكم يَعُدُّ العادُّ من هذه الأمور!!.

وبالجملة: فكل ما وقع من النسخ والتخصيص والتقييد في هذه الشريعة المطهرة، فسببُه جلبُ المصالح، أو دفعُ المفاسد؛ فإن كلَّ عالِمٍ يعلمُ أن نسخَ الحكمِ بحكمٍ آخَرَ يخالفُه، لم يكن إلَّا لِمَا في الناسخ من جلبِ مصلحةٍ أو دفع مفسدةٍ زائدةٍ على ما في الأول من النفع والدفع.

وهكذا إخراجُ بعضِ ما يتناولُه العامُ بالتخصيص، أو ما يصلُحُ إطلاقُ المطلَقِ عليه بالتقييد؛ كما وقع في قوله تعالى: ﴿غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ﴾ [النساء: ٩٥]، وقوله ﷿: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ [البقرة: ١٨٧]، ونحو ذلك كثيرٌ جدًّا.

وقد كان ديدنُه وهِجِّيَراهُ: الإرشادَ إلى التيسير دون التَّعسير، وإلى التبشير دون التنفير؛ فكان يقول: «يسِّرُوا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا» (٣).

وكان يُرشد إلى الأُلفةِ واجتماع الأمر، وينفِّرُ عن الفرقةِ والاختلاف، لِما في الألفة والاجتماع من الجلبِ للمصالح والدفع للمفاسد، وفي الفُرقة والاختلاف مِنْ عكس ذلك.


(١) العرايا: جمع «عرية»؛ وهي أن يَبيع الرُّطَبَ أو العنب على الشجر بخَرْصه من التمر أو الزبيب؛ على أن يكون ذلك خَمْسةَ أَوْسُقٍ فما دون، ولها بابٌ خاصٌّ في فقه «البيوع».
(٢) صحيح: رواه أحمد (٢/ ٥)، والبخاري (٢١٧٣)، ومسلم (١٥٣٩)، وأبو داود (٣٣٦٥)، والترمذي (١٣٠٠)، والنسائي (٤٥٣٦)، وابن ماجه (٢٢٦٨).
(٣) صحيح: رواه أحمد (٣/ ١٣١) و (٤/ ٣٩٩)، والبخاري (٣٠٣٨)، ومسلم (١٧٣٢)، وأبو داود (٤٨٣٥).

<<  <   >  >>