للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالعالِمُ المرتاضُ (١) بما جاءنا عن الشارع الذي بعثه اللَّهُ تعالى متمِّمًا لمكارم الأخلاق، إذا أَخذ نفسَه في تعليم العبادِ وإرشادهم إلى الحق، وجَذْبِهم عن الباطل، ودَفْعِهم عن البدع، والأخْذِ بحُجَزِهم (٢) عن كل مَزْلقةٍ من المزالقِ ومَدْحضةٍ من المَداحض (٣)، بالأخلاق النبوية، والشمائلِ المُصطَفَوية الواردةِ في الكتاب العزيز والسُّنة المطهرة، فيَسَّرَ ولم يُعسِّرْ، وبشَّرَ ولم يُنفِّر، وأرشدَ إلى ائتلاف القلوب واجتماعها، ونَهى عن التفرُّق والاختلاف، وجعلَ غايةَ هَمِّه وأقصى رغبتِه جلبَ المصالح الدينية للعباد، ودفعَ المفاسد عنهم: كان (٤) مِنْ أنفع دعاة المسلمين، وأنجع (٥) الحاملين لحُجج ربِّ العالمين، وانجذبت له القلوب، ومالت إليه الأنفس، وتذلَّل له الصعبُ، وتَسهَّلَ عليه الوعْرُ، وانقلب له المتعصِّبُ منصفًا، والمبتدعُ متسنِّنًا، ورَغِب في الخير مَنْ لم يكن يرغبُ فيه، ومال إلى الكتاب والسُّنة مَنْ كان يَميل عنهما، وتردَّى (٦) بأثواب الرواية مَنْ كان متجلببًا بالرأي، ومشى في رياض الاجتهاد، واقتطف مِنْ طَيِّب ثمراته، واستنشق من عابِقِ (٧) رياحينه مَنْ كان معتقَلًا في سجن التقليد، مكبَّلًا (٨) بالقِيل والقال، مكتوفًا بآراء الرجال.


(١) المرتاض: المتمرِّس المتمرِّن.
(٢) الحُجْزة: مكان مَعقِدِ الإزار، وهو مكانُ لُبس ما يسمَّى «الحزام» بالتعبير المعاصر الذي يُشدُّ به البِنطال. والمقصود أنه يمنعهم عن الهلاك.
(٣) المدحضة: المَزلة.
(٤) هذا هو جواب الشرط في قوله: «إذا أخذ نفسه في تعليم العباد … » إلخ.
(٥) أنجع: أكثرها صلاحًا.
(٦) تردَّى: لَبِسَ وارتدى.
(٧) العَبق: الرِّيح.
(٨) مكبَّلًا: مقيدًا.

<<  <   >  >>