للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتبيَّن لك أن هذه الوصيةَ التي أَذِن بها النبيُّ ليست وصيةَ الضِّرار؛ فإن تلك قد أخرجها اللَّهُ من عموم مشروعية الوصية بقوله: ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ﴾، وأخرجها النبيُّ بما تقدم من الوعيدِ الشديدِ لمن يضارُّ في وصيته، ويمنعُ الوصيةَ للوارث؛ حتى ثبت في بعض الروايات بلفظ: «لا تَجوزُ وصيةٌ لوارث» (١). وقد أوضحتُه في أبحاثٍ متعددةٍ من مصنفاتي.

وليس المرادُ هاهنا إلَّا إرشادَ طالبِ الإنصاف إلى عدمِ الاغترار بما يفعلُه المتلاعبون بأحكام الشرع؛ من تسمية أمورٍ تصدُرُ عنهم من الطاغوت، بأسماءٍ شرعيةٍ، مخادَعةً لأنفسهم، واستدراجًا لمن لا فَهمَ عنده ولا بحث عن الحقائق (٢).

وهذه الذريعةُ (٣) الشيطانية، قد عمَّت وطمَّت؛ خصوصًا أهل البادية؛ فإنه


(١) صحيح: وقد تقدم تخريجه ص (٢٤٢)، وقد جاء في المطبوع: «وصيته»، والصواب إن شاء اللَّه ما أثبتُّه، وهي رواية أحمد (٤/ ٢٣٨) وغيره.
(٢) قال العلَّامة ابنُ القيم بعد أن ذَكر بعض معاني المفردات، وضرورةَ معرفةِ حدودِها ومعانيها اللغوية والشرعية معرفةً صحيحة: «وهذا بابٌ شريفٌ يُنتفع به انتفاعٌ عظيمٌ في فهم ألفاظ القرآن ودلالاته ومعرفةِ حدود ما أنزل اللَّهُ على رسوله، فإنه هو العلمُ النافع، وقد ذمَّ سبحانه في كتابه مَنْ ليس له علمٌ بحدود ما أنزله على رسوله، فإنَّ عدمَ العلم بذلك مستلزمٌ مفسدتينِ عظيمتين:
إحداهما: أن يَدخل في مسمَّى اللفظُ ما ليس منه، فيُحكمُ له بحكمِ المرادِ من اللفظ، فيُسوَّى بين ما فرَّق اللَّهُ بينهما.
والثانية: أن يَخرجَ من مسمَّاه بعضُ أفراده الداخلة تحته، فيُسلَبُ عنه حكمُه، فيُفرَّقُ بين ما جمع اللَّهُ بينهما.
والذكيُّ الفطنُ يتفطَّنُ لأفراد هذه القاعدة وأمثلتها، فيرى أن كثيرًا من الاختلاف أو أكثره إنما نشأ عن هذا الموضع، وتفصيلُ هذا لا يَفِي به كتابٌ ضخم». انظر: «الرسالة التبوكية» (١٢ ط: دار عالَم الفوائد ضمن «مجموع الرسائل»)، و «الفتيا المعاصرة»، للشيخ خالد المُزيِّني (٤١٣: ٤١٧). (٣) الذريعة: الوسيلة.

<<  <   >  >>