للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكما وقَفْنا عليه في التوراة والإنجيل والزبور مكرَّرًا في كلِّ واحدٍ منها.

وإذا كان هذا حالَ الرسل عليهم الصلاة والسلام في التعبُّد بالأوامر الشرعية، والتوقُّفِ في التبليغ على ما أمرهم تعالى بتبليغه، فلا يَشْرَعون للناس إلَّا ما أَذِن لهم به وأَمرهم بإبلاغه، وليس لهم من الأمر شيءٌ إلَّا مجردُ البلاغِ عن اللَّه، والتوسطِ بينه وبين عباده فيما شرعه لهم وتعبَّدهم به، كما هو معنى «الرسول» و «الرسالة» لغةً وشرعًا، عند من يَعرفُ علم اللغة ومصطلحَ أهل الشرع.

ولا يُنافي هذا وقوعُ الخلاف بين أئمة الأصول في إثباتِ اجتهاد الأنبياء ونَفْيِه (١)، فإن الخلافَ المحرَّرَ في هذه المسألة لفظيٌّ عند من أنصف وحَقَّق (٢)؛ فكيف بحالِ غيرهم من عِباد اللَّهِ ممن ليس هو من أهل الرسالة، ولا جَعله


(١) هذه المسألة فيها جانبا إجماع، وجانبُ خلاف:
أما جانبا الإجماع:
١ - فقد أجْمعوا على أنه يجوز عقلًا تعبُّدهم بالاجتهاد كغيرهم من المجتهدين.
٢ - وأجْمعوا أيضًا على أنه يجوزُ لهم الاجتهادُ فيما يتعلقُ بمصالح الدنيا.
وأما جانب الخلاف: فهو اجتهادُهم في الأحكام الشرعية؛ فقد اختلفوا فيه على مذاهب:
١ - ليس لهم ذلك؛ لقدرتِهم على النص بنزول الوحي. وهذا مذهبُ الأحناف، وابن حزم، وغيرهم.
٢ - يجوزُ لهم ذلك؛ سواءٌ لنبينا أو لغيره من الأنبياء . وهذا مذهب جُمهور العلماء.
٣ - الوقفُ عن القطع بشيءٍ من ذلك. وهذا اختيارُ القاضي أبي بكر الباقلَّاني، وأبي حامدٍ الغزَّالي.
انظر أدلة كلِّ قولٍ، والمآخذَ والردود في: «إرشاد الفحول»، للعلَّامة الشوكاني (٢/ ١٠٤٥ ط: دار الفضيلة)، وبهامش تحقيقه ثَبَتٌ بأهمِّ المراجع.
(٢) وذلك لأنهم على القول بجوازِ الاجتهاد لهم، فإن اجتهادَهم في الأمور الشرعية معصومٌ من الخطإ قطعًا؛ إذ لا يقرُّون على خطإٍ، واللَّهُ تعالى أعلم.

<<  <   >  >>