للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهُ من أهل العصمة، كالصحابة، فالتابعين، فتابعيهم من أئمةِ المذاهب، فسائرِ حَمَلةِ العلم؟! فإن مَنْ زَعم أن لواحدٍ من هؤلاء أن يُحدِثَ في شرعِ اللَّه ما لم يكن فيه، أو يتعبَّدَ عبادَ اللَّه بما هو خارجٌ عما هو منه، فقد أَعظَمَ على اللَّه الفِرْية (١)، وتقوَّل على اللَّه تعالى بما لم يقُل، وأوقع نفسَه في هُوَّةٍ لا ينجو منها؛ إلَّا أنه طَرَحها في مَطْرَح سُوء، ووَضَعها في موضع شر، ونادى على نفسه بالجهل، والجرأةِ على اللَّه تعالى، والمخالفةِ لما جاءت به الشرائع، وما أَجْمَعَ عليه أهلها؛ فإن هذه (٢) رُتبةٌ لم تكن إلَّا للَّه، ومنزلةٌ لا يَنزِلُها غيرُه، ولا يدَّعيها سواه، فمن ادعاها لغيره تصريحًا أو تلويحًا فقد أدخل نفسَه في بابٍ من أبواب الشرك، وكان ذلك هو الفائدةَ التي استفادها من طلبه، والرِّبحَ الذي رَبِحه مِنْ تَعِبِه ونَصَبِه، وصار اشتغالُه بالعلم جنايةً عليه، ومحنةً له، ومصيبةً أصاب بها نفسه، وبليَّةً قادها إليها، ومعصيةً كان عنها بالجهل وعدمِ الطلب في راحة.

وهكذا مَنْ لم يُحسن لنفسه الاختيار، ولا سلك فيها مَسالكَ الأبرار، ولا اقتدى بمَن أمر اللَّهُ بالاقتداءِ به من أهل العلم الذين جَعَلهم مَحِلًّا لذلك ومَرجعًا.

فإذا تقرَّر لك هذا، وعلمتَ بما فيه من الضررِ العظيم الذي يَمحَقُ بركةَ العلم ويُشوِّهُ وجهه، ويُصيِّرُه بعد أن كان منَ العبادات التي لا تشبهُها طاعةٌ ولا تماثلُها قُربةٌ: معصيةً محضةً، وخطيئةً خالصةً، تبيَّن لك نفعُ ما أُرشِدُ إليه مِنْ تحرِّي الإيمان؛ الذي مِنْ أعظم أركانه وأهمِّ ما يُحصِّلُه لك: أن تكون مُنصِفًا لا متعصِّبًا في شيءٍ من هذه الشريعة؛ فإنها وديعةُ اللَّهِ عندك، وأمانتُه


(١) الفِرية: الكذب المفترَى.
(٢) يعني: التشريع.

<<  <   >  >>