للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لديك، فلا تَخُنْها وتَمحقْ بركتَها بالتعصُّبِ لعالِمٍ من علماء الإسلام؛ بأن تَجعلَ ما يصدرُ عنه من الرأي، ويُروى له من الاجتهاد حُجةً عليك وعلى سائر العباد؛ فإنك إن فعلتَ ذلك كنتَ قد جعلته شارعًا لا متشرِّعًا، ومكلِّفًا لا مكلَّفًا، ومتعبِّدًا لا متعبَّدًا، وفي هذا من الخطر عليكَ والوبالِ لك ما قدمناه، فإنه وإن فَضَلَك بنوعٍ من أنواع العلم، وفاق عليك بمُدرَكٍ (١) من مَدارك الفهم؛ فهو لم يَخرُج بذلك عن كونه محكومًا عليه، متعبَّدًا بما أنت متعبَّدٌ به؛ فضلًا عن أن يرتفعَ عن هذه الدرجة إلى درجةٍ يكون رأيُه فيها حُجةً على العباد، واجتهادُه لديها لازمًا لهم؛ بل الواجبُ عليك أن تعترفَ له بالسَّبْق، وتُقِرَّ له بعلوِّ الدرجةِ اللائقة به في العلم، معتقدًا أن ذلك الاجتهادَ الذي اجتهده، والاختيارَ الذي اختاره لنفسه بعد إحاطته بما لابد منه هو الذي لا يجبُ عليه غيرُه، ولا يلزمُه سواه؛ لِما ثبت في «الصحيح» عنه من طُرقٍ أنه: «إذا اجتَهد الحاكمُ فأصاب فله أجران، وإن اجتَهد فأخطأ فله أجرٌ (٢)» (٣)، وفي خارج الصِّحاح من طُرق: «أنه إذا أصاب فله عشَرةُ أجُور»،


(١) المُدرَك بضم الميم وفتح الراء على القياس: مفرد «المَدارِك»، وهي: موضعُ طلبِ الحكم الشرعي. قال الفيومي: «وهي: مواضعُ طلب الأحكام، وهي حيثُ يُستدل بالنصوص والاجتهاد من مَدارك الشرع». وقال أيضًا: «الفقهاء يقولون في الواحد: مَدْرَك بفتح الميم، وليس لتخريجه وجهٌ». ثم رد هذا القول لمخالفته القياس. «المصباح المنير» (١٩٢). نقلًا عن «الفتيا المعاصرة»، للشيخ الفاضل خالد بن عبد اللَّه المزيِّني (٩٩ ط: دار ابن الجوزي).
(٢) وهذه الأجور جميعًا في حق العالِمِ بما يتكلمُ فيه، أما الجاهلُ الذي يتجرأ على الفُتيا وإصدارِ الأحكام الشرعية بلا علمٍ ولا بينةٍ، فلا أجْرَ له وإن أصاب، لأنه أتى بالأمر على غير وجهه، وتجرَّأ على الكلام في شرع ربِّه بلا علمٍ ولا إذنٍ منه تعالى.
(٣) صحيح: رواه أحمد (٤/ ١٩٨)، والبخاري (٧٣٥٢)، ومسلم (١٧١٦)، وأبو داود (٣٥٧٤)، وابن ماجه (٢٣١٤)، من حديث عمرو بن العاص ، وهو عند الترمذي (١٣٢٦)، والنسائي (٥٣٨١)، من حديث أبي هريرة .

<<  <   >  >>