فإن هذه [هي] الداهيةُ الدَّهْياء، والمصيبةُ الصمَّاءُ العمياء؛ فقد كان أوائلُ المقلِّدةِ يعتمدون على أئمتهم في المسائلِ الشرعية، ويُعوِّلون على آرائهم، ويَقفِون عند اختياراتِهم، ويَدَعون نصوصَ الكتاب والسنة، ولكنهم لا يُنزِلون حوائجَهم بغير اللَّه ﷿، ولا يُناجُون سواه، ولا يَرجُون غيرَه، ولا يُعوِّلون إلَّا عليه، ولا يطلبون إلَّا منه.
فهم وإن خَلَطوا صَومَهم وصلاتَهم وحَجَّهم وزَكاتَهم وسائرَ عباداتِهم ومعاملاتِهم بآراء الرجال، وقلَّدوا في كثيرٍ من تفاصيلها ما لم يأذنِ اللَّهُ بتقليده، وأخذوا دينَهم على الوجه الذي لم يأمر اللَّهُ به ولا ارتضاه لهم؛ لكنهم لم يُخلِّطوا في معنى «لا إله إلا اللَّه»، ولا تلاعبوا بالتوحيد، ولا دَخلوا في أدوار الشرك، ومضايقِ الجُحود، وبلايا الجاهليةِ وما كانوا عليه.
وأما هؤلاء، فعَمَدوا إلى جماعةٍ من الأموات الذين لا يستطيعون توصيةً ﴿وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠)﴾ [يس]، فقَصدوهم في المهمَّات، وعكَفوا على قبورهم، ونذَروا لهم النذور، ونحَروا لهم النحاير (١)، وفَزِعوا إليهم عند المهمات:
فتارةً يطلبون منهم من الحاجات ما لا يقدرُ عليه إلا اللَّهُ ﷿، وخصُّوهم بالنداءِ، وأفردوهم بالطلب.
وتارةً ينادونَهم مع اللَّه ﷿، ويصرخون بأسمائهم مع اسم اللَّه سبحانه، فيأتون بكلماتٍ تقشعرُّ لها جلودُ مَنْ يعلم معنى «لا إله إلا اللَّه»، ويعرفُ مدلول ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١)﴾ [الإخلاص]، وتلاعَب بهم الشيطان في ذلك، ونَقَلهم مِنْ مرتبةٍ إلى مرتبة، ومن منزلةٍ إلى منزلة؛ حتى استعظموا مِنْ جانب