للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هؤلاء الأموات الذين خلقهم اللَّهُ ورزقهم وأحياهم وأماتَهم ما لا يستعظمونه من جانبِ بارئ البرية، وخالقِ الخلق جلَّ اسمُه، وتعالى قدْرُه، ولا إله غيره، وأفضى ذلك إلى أن أحدَهم يحلفُ باللَّه تعالى فاجرًا، ولا يحلفُ بمن يعتقدُه من الأموات، ويُقدِمُ على المعصية في المساجد التي هي بيوت اللَّه، ولا يُقدِمُ عليها عند قبرِ مَنْ يعتقده.

وتزايَدَ الشرُّ، وعظُمت المحنة، وتفاقمت المصيبة، حتى صار كثيرٌ منهم يَنسِبون ما أصابهم منَ الخير في النفْس والأموال والأهل إلى ذلك الميت، وما أصابهم منَ الشرِّ في ذلك إليه، وقد صار تحت أطباقِ الثرى، وغُيِّب عن أعيُنِ البشر، وصار مشغولًا عاجزًا عن جرِّ نفعٍ إليه أو دَفعِ ضُرٍّ عنه، منتظرًا لما يَنتظر له مثلُه من الأموات، لا يدري ما نزل به من هؤلاء النُّوَكاء، ولا يشعرُ بما ألصقوه به، ولو علم بذلك لجالدهم بالسيف، ودَفَعهم بما يقدرُ عليه.

ومن أعظم الذرائع الشيطانية، والوسائلِ الطاغوتية: أنهم بالَغوا في التأنُّقِ في عمارةِ قبور مَنْ يعتقدونه من الصالحين، ونَصَبوا عليها القِباب، وجعلوا على أبوابها الحُجَّاب (١)، ووضعوا عليها من السُّتور العاليةِ والآلاتِ الرائعة ما يُبهِرُ الناظرَ إليه، ويُدخِلُ الرَّوعةَ (٢) في قلبه، ويدْعوه إلى التعظيم، كما جُبلت عليه طبائعُ العوامِّ من دخول المهابة في قلوبِهم، والروعةِ في عقولِهم بما يتعاطاهُ المريدون لذلك؛ كما يفعلُه غالبُ ملوك الدنيا، مِنْ المبالغة في تزيين منازلهم، وتعظيمها، والتأنُّقِ في بنائها، والاستكثارِ من الحُجَّاب والخدم، والصياحِ، والجَلَبة، وارتباطِ (٣) الأُسودِ ونحوها من الحيوانات، ولُبسِ


(١) الحُجَّاب: الحَرَس.
(٢) الرَّوعة: الهيبة. (٣) الارتباط: الربط والتقييد.

<<  <   >  >>