للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاخر الثياب؛ قاصِدين بذلك تربيةَ المهابة لهم والمخافةِ منهم.

وصَنَعَ هؤلاء القُبوريُّون كصُنعهم، ففعلوا في الأموات مِنْ جوالِب التعظيم وأسبابِ الهيبة ما يكون له من التأثيرِ في قلوب مَنْ يزورُهم من العامة ما لا يُقادَرُ قَدْرُه، ثم يزيدُ ذلك قليلًا قليلًا؛ حتى يحصلَ لهم من الاعتقاد في أولئك الأموات ما يقدحُ في إسلامهم، ويَخدِشُ في توحيدهم.

ولو اتبع الناسُ ما أَرشد إليه الشارعُ من تسوية القبور، كما ثبت في «صحيح مسلم» وغيره، من حديث أبى الهَيَّاج، قال: قال لي عليُّ بن أبى طالب: أَلَا أبعثُك (١) على ما بعثني عليه رسولُ اللَّه ؟: «ألَّا تَدَعَ قبرًا مُشرفًا (٢) إلَّا سوَّيتَه، ولا تِمثالًا إلَّا طَمَسْته (٣)» (٤).

فانظر كيف بعث رسولُ اللَّه أميرًا لهدم القبور المُشرِفةِ وطَمس


(١) أي: أُرسِلُك إلى تغييره.
(٢) مشرفًا: عاليًا. والمقصود: العلو الكبير المبالغ فيه، لأن السُّنة تسنيم القبر، أي: رفعه شيئًا يسيرًا عن الأرض، كما كان عليه قبرُه الشريف وقبورُ أصحابه البررة؛ وذلك حتى تُعرف القبور من غيرها، وتراعى حرماتُها؛ كما قال الإمام الشافعي : «أكرهُ أن يُرفع القبرُ إلا بقَدْر ما نعرفُ أنه قبر؛ لكيلا يوطأَ ولا يُجلسَ عليه». نقله عنه الإمام الترمذي في «سننه» (تحت الحديث: ١٠٤٩).
وقد قال الإمام ابن القيم : «الأمر بتسوية القبور إنما هو تسويتها بالأرض، وألَّا تُرفع مشرفةً عاليةً؛ وهذا لا يناقض تسنيمَها شيئًا يسيرًا». «تهذيب سنن أبي داود».
وقال الحافظ ابن حجر : «المستحب تسنيم القبور، وهو قولُ أبي حنيفة ومالك وأحمد والمُزَني وكثير من الشافعية … » إلخ. «فتح الباري» (٣/ ٢٥٧). نقلًا عن «تحقيق سنن أبي داود» (٥/ ١٢٥).
(٣) الطمْس: المحو والإزالة.
(٤) صحيح: رواه أحمد (١/ ٩٦)، ومسلم (٩٦٩)، وأبو داود (٣٢١٨)، والترمذي (١٠٤٩)، والنسائي (٢٠٣١).

<<  <   >  >>