للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطارئةِ عليهم لِما عندهم من العلم؛ حتى ذهب ذلك بما يعلمونه، ومَحَق بركته، وأبطل ثمرته.

ومما أحكيهِ لك: أنه كان يبلغُني وأنا في الطلب للعلم والاشتغالِ به ما يصنعُه أهلُ القطر التِّهامي من الاجتماع لزيارةِ جماعةٍ من المعتقَدِين لديهم، وما يحدثُ منهم عند ذلك من النَّهيقِ الذي لا يعودُ صاحبه إلى الإسلام سالِمًا؛ مع عدم إنكارِ مَنْ بتلك الديارِ مِنْ العلماء؛ بل كان الكثيرُ منهم يَحضُرون تلك المجامع، ويَشهَدون تلك الزيارات، فتكونُ المنكراتُ وما يحدثُ من أنواع الشرك بمرأًى منهم ومَسمَع، فكتبتُ رسالةً إلى العلماء من أهل تلك الديار على يدِ رجلٍ من أهل العلم الراحِلين إلى هنالك، فلما عاد أخبرني بما حَصَل من الاستنكار منهم لما كتبتُه إليهم، وعدمِ الاعتداد به والالتفاتِ إليه، فقضيتُ من ذلك العجب! ثم لمَّا وَلِيَ القضاءَ ببعض البنادر التِّهاميةِ بعضُ علماءِ صنعاءَ الأكابر، وشاهَد مِنْ هذه المنكرات ما حَمَله على أن يحرِّر إليَّ سؤالًا، فأجبتُه برسالةٍ مطوَّلةٍ سميتُها «الدرُّ النضيد في إخلاص التوحيد»، وأمرتُه أن يكتبَ نُسَخًا ويرسلَها إلى القضاةِ في تلك الديار، ففعل، ولم يؤثِّر ذلك شيئًا، بل كتب كثيرٌ من علماءِ تلك الديارِ على رسالتي مناقشاتٍ واعتراضات، فلم تَمضِ إلا أيامٌ قلائل حتى نزل بهم السيف، وهَدم اللَّهُ تلك الطواغيت، وذهب بتلك الاعتقادات الفاسدة؛ فهي الآن صافيةٌ عن تلك الأمور التي كان يتلوَّثُ بها أهلُها، فلا يقدرُ أحدٌ منهم أن يستغيثَ بغير اللَّهِ سبحانه، أو يُناديَ مَيْتًا من الأموات، أو يُجريَ ذكره على لسانه، ولكنه لم يَغسل أدرانَهم (١) ويُذيبَ الكدوراتِ التي كانت تشوبُ صافي إسلامهم إلا


(١) الأدران: الأوساخ.

<<  <   >  >>