للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ووضعوا القِباب، ورفعوا القبور، وكانوا يفعلون هذا بأهلِ الصلاح، ثم تزايَدَ الشرُّ، وصاروا يفعلون ذلك لمن له رئاسةٌ دنيوية وإن كان مِنْ أفجر الفجرة، وقد يُوصي الميتُ في وصيتِه بذلك!.

وأعجبُ من هذا كلِّه: تصريحُ جماعةٍ من أهل الفقه بأنه لا بأس بذلك إذا كان الميتُ فاضلًا! ودوَّنوه في مصنَّفاتِهِم التي هي مدارسُ الطلبة، وضرَبوا بما ذكرناه مِنْ الأدلة في وجهِ من جاء بها، ورَمَوا بها خلفَ الحائط، ولم يَرْدعهم دينٌ، ولا وَزِعهم (١) حياءٌ، وقابلوا بما أسلفنا بقولهم: «إنه قد استَحسن رفعَ هذه القبابِ وتزيينَ هذه القبور بعضُ السلف»!.

فلا كثَّر اللَّهُ في أهل العلم من أمثالِكم ولا مِنْ أمثالِ مَنْ استحسن مخالفةَ الشرع من السلف الذين صرتُم تَقوَّلون عليهم بما لم يقُولوه؛ فإنه إذا صحَّ ما تزعمونه مِنْ أنه استَحسن ذلك بعضُ السلف، فلا حجةَ في استحسانِ من استحسنَ مخالفةَ الشرع كائنًا من كان؛ فإنه أولُ مبتدِعٍ ومخالفٍ للشرع، وعاصٍ للَّهِ ورسولِه وللشريعةِ المطهرة.

ولقد تزلزل بِهذا السبب أقدامُ كثيرٍ مِنْ العِباد عن الإسلام، وذهب بِهذه الذريعةِ إيمانُ جماهيرَ من الأنام، فإنا للَّهِ وإنا إليه راجعون؛ فإنه لو كانت القبورُ على الصفةِ التي شرعها اللَّهُ وعلَّمها رسولُ اللَّه لأمَّته، لم يحدُث من هذه الاعتقادات الفاسدة شيء.

ولا يشكُّ عاقلٌ أن أعظم ما أدخل فاسدَ الاعتقادِ في صدور كثيرٍ من العِباد: هو هذا الأمر، مع سكوتِ العلماء عن البيان الذي أمرهم اللَّهُ به، ومجاملتِهم للعامة، إمَّا مع عِلمهم بما في هذا الأمر منَ الخَطَر، أو مع غَلبةِ العادات


(١) وَزعهم: زَجَرهم ورَدَعهم.

<<  <   >  >>