للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالنسبة إليها، ومع هذا فقال: «إنها لا تُجاوِزُ تراقيَهم»، وقال: «إنهم يمرُقون من الدِّين كما يَمرُقُ السَّهمُ منَ الرَّمِية» (١)، وقال: «إنهم كلابُ النار» (٢).

فانظر كيف كانت مجاهداتُهم وعباداتُهم وقيامُهم الليلَ وصيامُهم النهار نقمةً عليهم وبليةً ومحنةً لهم، لم تعُد عليهم بنفعٍ قطُّ إلَّا ما أصيبوا به من الخَسار والنكالِ (٣) والوبال، فكانت تلك الطاعاتُ الصُّوريةُ من صلاةٍ وصيامٍ وتَهجُّدٍ وقيامٍ هي نفسَ المعاصي الموجبةَ للنار!.

وهكذا كلُّ مَنْ رام (٤) أن يُطيعَ اللَّهَ على غير الوجهِ الذي شرعه لعباده وارتضاه لهم، فإنه ربما يُلحق بالخوارج بجامع وقوعِ ما أطاعوا اللَّهَ به على غير ما شرعه لهم في كتابه وعلى لسان رسولِه ، وإني أخشى أن يكونَ مِنْ هذا القَبيل ما يقعُ مِنْ كثيرٍ مِنْ المتصوفة مِنْ تلك الأقوالِ والأفعال التي ظاهرُها التنفيرُ عن الدنيا والبعدُ عن أهلها والفرارُ عن زينتها؛ مع تلك الوظائفِ التي يلازمونَها من التخشُّعِ والانكسارِ والتلهُّبِ والتأسفِ والصراخ تارةً والهدوء تارةً أخرى، والرياضاتِ والمجاهدات، وملازمةِ أذكارٍ يَذكُرون بها لم تَرِدْ في الشرعِ؛ على صفاتٍ لم يأذَنِ اللَّهُ بها، مع ملازمةِ تلك الثياب الخشنةِ الدَّرنة، والقعودِ في تلك المَساطبِ القذِرة، وما ينضمُّ إلى ذلك من ذلك الهُيامِ والشطحِ والأحوالِ التي لو كان فيها خيرٌ لكانت لرسولِ اللَّهِ


(١) صحيح: رواه أحمد (١/ ٨٨) و (٢/ ٢١٩) و (٣/ ٤)، والبخاري (٧٤٣٢)، ومسلم (١٠٦٤)، وأبو داود (٤٧٦٤)، والترمذي (٢١٨٨)، والنسائي (٢٥٧٨)، وابن ماجه (١٦٩).
(٢) صحيح: رواه أحمد (٤/ ٣٥٥) و (٥/ ٢٥٣)، والترمذي (٣٠٠٠)، وابن ماجه (١٧٣)، وحسَّنه الإمام الترمذي، وصحَّحه الشيخ الألباني، والشيخ شعيب الأرنؤوط.
(٣) النكال: العقوبة.
(٤) رام: أراد.

<<  <   >  >>