للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أدرِّسُ بها في «جامع صنعاء»، فنظرتُ ما عند تلامذتي، فوجدتُ أنفسَهم قويةً، ورغبتَهم في التدريس شديدةً إلا القليل منهم فقد كادوا يستترون من الخوف، ويفرُّون من الفزع؛ فلم أجد لي رخصةً في البُعد عن مجالس التدريس، وعُدتُ.

وكان أولُ درسٍ عاودتُه عند وصولي إلى الجامع في «أصول الفقه» بين العشاءين، فانقلب مَنْ بالجامع، وتركوا ما هم فيه من الدرس والتدريس، ووقفوا ينظُرون إليَّ متعجِّبين منَ الإقدام على ذلك؛ لِمَا قد تقرَّر عندهم مِنْ عِظَم الأمر، وكثرةِ التهويل والوعيدِ والترهيب، حتى ظنُّوا أنه لا يمكنني البقاءُ في صنعاء فضلًا عن المعاودة للتدريس!! ثم وصل وأنا في حالِ ذلك الدرس جماعةٌ لم تَجْرِ لهم عادةٌ بالوصول إلى الجامع، وهم متلفِّعون بثيابهم لا يُعرفون، وكانوا ينظرون إليَّ، ويقفون قليلًا، ثم يذهبون، ويأتي آخرون؛ حتى لم يَبقَ شكٌّ من أحدٍ أنها إن لم تحصُل منهم فتنةٌ في الحال، وقعت مع خروجي من الجامع، فخرجتُ من الجامع وهم واقفون على مواضعَ من طريقي، فما سمعتُ من أحدِهم كلمةً فضلًا عن غير ذلك، وعاودت الدروسَ كلَّها، وتكاثر الطلبةُ المتميِّزون زيادةً على ما كانوا عليه في كلِّ فن، وقد كانوا ظنوا أنه لا يستطيع أحدٌ أن يقفَ بين يديَّ مخافةً على أنفسهم من الدولة والعامة، فكان الأمرُ على خلاف ما ظنُّوه، وكنت أتعجبُ من ذلك، وأقولُ في نفسي: هذا مِنْ صُنع اللَّهِ الحَسَن، ولُطفِه الخفي؛ لأن مَنْ كان الحاملُ له على ما وقع الحسدَ والمنافسة، لم ينجح كيدُه؛ بل كان الأمرُ على خلاف ما يريد.

ومِن عجيبِ ما أشرحُه لك، أنه كان في درسٍ بالجامع بعد صلاة العشاء

<<  <   >  >>