للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخلافًا لِمَا جاءت به، وجُرأةً على اللَّه، ونصبًا للخلاف بينه وبين من عصاه وخالَف ما شرعه هو (١) أيضًا مجازفةٌ (٢) بحتةٌ في الرواية عن الذين سمَّاهم بل هو محضُ الكذب، وإنما يُروى عن بعض المتأخرين ممن لم يُسمِّه ذلك القائل. وهذا البعضُ الذي يُروى عنه ذلك إنما فعله أيامًا يسيرةً، ثم طَوى بِساطَه، وعلم أنه خلافُ ما شرعه اللَّهُ فتركه، وإنما حَمَلَه على ذلك رأيٌ رآه، وتدبيرٌ دبره، ثم تبيَّن له فساده.

فانظر أرشدك اللَّه ما مِقدارُ ما قاله هذا القائلُ في ذلك الجَمْع الحافل الذي شَمِلَ الإمامَ وجميعَ المباشِرين للأعمال الدَّوْلية (٣)، والناظرين في أمر الرعية! ولم ينتفع هذا القائلُ بمقالته لا من زيادةِ جاهٍ ولا مال، بل غايةُ ما استفاده، ونهايةُ ما وصل إليه: اجتماعُ الألسُنِ على ذمِّه، واستعظامُ الناس لِمَا صدر منه!.

وهكذا جرت عادةُ اللَّهِ في عباده؛ فإنه لا يَنالُ مَنْ أراد الدنيا بالدين إلا وبالًا وخسرانًا عاجلًا أو آجلًا، خصوصًا من كان من الحاملين لحُجةِ اللَّه، المأمورين بإبلاغها إلى العِباد؛ فإنَّ خيرَه (٤) في الدنيا والآخرة مربوطٌ بوقوفه على حدودِ الشريعة، فإنْ زاغ عنها زاغ عنه (٥)، وقد صرَّح اللَّهُ سبحانه بما يُفيدُ هذا في غير موضعٍ من كتابه العزيز (٦).


(١) هذا خبر قوله: «وهذا مع كونه … » قبل سطرين.
(٢) المجازفة: الاندفاع بلا حسابٍ ولا رَويَّة.
(٣) الدَّوْلية: المتعلقة بالدولة.
(٤) أي: الخير الذي يصل للعبد من اللَّهِ تعالى.
(٥) أي: الخير.
(٦) ومن هذا قوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦)﴾ [هود]، ومنه قوله الحق: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤)﴾ [الكهف]، ومنه أيضًا: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (٧٩)﴾ [البقرة]، ومنه أيضًا ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٤)﴾ [البقرة]، وغير هذا كثير.

<<  <   >  >>