للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعدمُ مجاوزته في شيءٍ، وإخلاصُ النية في ذلك، وإشعارُ الرعية [به] (١) في جميع الأقطار، والعزمُ عليه على الاستمرار (٢)؛ فإن ذلك من الأسباب التي تَدفع كلَّ الدفع، وتَنجَعُ (٣) أبلغَ النَّجْع، فإن اضطرابَ الرعايا، ورفعَ رؤوسهم إلى الواصِلين، ليس إلَّا لِمَا يبلغُهم من اقتصارهم على الحقوق الواجبة، وليس ذلك لرغبةٍ في شيءٍ آخر.

فلما فرغتُ من أداء النصيحة، انبرى أحدُ الرجلَينِ الآخَرَين وهو ممن حَظِي من العلم بنصيبٍ وافر، ومنَ الشرفِ بمرتبةٍ عليَّة، ومن السنِّ بنحو ثمانين سنةً، وقال: إن الدولةَ لا تقوم بذلك، ولا تتمُّ إلا بما جرت به العادةُ من الجِبايات (٤) ونحوها!! ثم أطال في هذا بما يتحيَّرُ عنده السامع، ويشتركُ في العلم بمخالفته للشريعة العالِمُ والجاهل، والمقصِّرُ والكامل!! وذكر أنه قد أَخذ الجبايةَ ونحوها من الرعية فلانٌ وفلان وعدَّد جماعةً من أئمة العلم ممن لهم شُهرةٌ وللناس فيهم اعتقاد، وهذا مع كونه عنادًا للشريعة،


(١) الإشعار: الإبلاغ.
(٢) أي: على الدوام.
(٣) تنجع: تؤثر.
(٤) الجبايات: ما يُجمع من الناس قهرًا؛ كالضرائب الظالمة التي دمَّرت حياةَ الناس، وعكَّرت عليهم عَيشَهم بالرغم من قلةِ الأجور وغلاءِ المعيشة؛ ولو أن القائمين على المسلمين جَمعوا الزكَواتِ من أهلها، وأنفقوها في مصارفها، واتقوا اللَّهَ تعالى في معاملةِ عباده لَمَا كانت الأحوالُ في تدهورٍ دائم كما نراه في ليلنا ونهارنا، ونسأله تعالى أن يلطُف بأحوالنا، وأن يولِّيَ علينا خيارَنا.

<<  <   >  >>