للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عصره: هل يستطيعُ أحدٌ من أهل العلم أن يخالفَ ما يهواه السلطانُ من المذاهب فضلًا عن أن يصرِّح للناس بخلافه؟ هذا على فرض أن ذلك الذي يهواه الملِكُ بدعةٌ من البدع الشنيعةِ التي لا خلاف في شناعتها ومخالفتِها للشريعة كما تعتقده الخوارجُ والروافض؛ فإن السُّنةَ الصريحةَ المتواترةَ التي لا خلافَ فيها قد جاءت بقُبح ذلك وذمِّ فاعله وضلاله.

فانظر هداك اللَّهُ وإياي (١) مَنْ يتكلمُ من أهل العلم الساكنين في أرض الخوارج كبلاد عُمان ونحوها بما يخالفُ مذهب الخوارج، أو يُنكر ذلك عليهم، أو يُرشدُ الناس إلى الحق؟!.

وكذلك مَنْ كان ساكنًا من أهل العلم ببلاد الروافض كبلادِ الأعاجم ونحوها، هل تجدُ رجلًا منهم يخالفُ ما هم عليه من الرفض فضلًا عن أن ينكرَه عليهم؟!.

بل قد تجدُ غالبَ مَنْ في بلاد أهل البدع من العلماء الذين لا تخفى عليهم مناهجُ الحق وطرائقُ الرشد يتظهَّرون للملوك والعامة بما يُناسِبُ ما هم عليه، ويُوهمونهم بأنهم يوافقونهم، وأن تلك البدعةَ التي هم عليها ليست ببدعة، بل هي سُنةٌ وحقٌّ وشريعة، ويعملون كعملهم، ويدخلون في ضلالهم، فيكونون ممن أضلَّه اللَّهُ على علمٍ (٢).


(١) السُّنة إذا دعا الإنسان لنفسه ولغيره: أن يبدأ بنفسه أولًا: انظر: «سنن الترمذي» (٦/ ١٥ ط: الرسالة)، و «تصحيح الدعاء»، للعلامة بكر أبو زيد (٤٧)، و «معجم المناهي اللفظية» له أيضًا (١٠٨).
(٢) كما قال : ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ … ﴾ [الزخرف: ٢٣]، وهذه الآية لها معنيان:
الأول: أنه سبحانه أضلَّه لعلمه أنه يستحقُّ ذلك.
والثاني: أنه أضلَّه بعد وصول العلم إليه، وقيام الحُجةِ عليه.
قال الحافظ ابن كثير : «والثاني يستلزمُ الأول، ولا ينعكس».
قلتُ: والمعنى الثاني هو المقصود من كلام العلَّامة الشوكاني .

<<  <   >  >>