للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالدنيا مؤثَرة، والدينُ تبعٌ لها (١).

ومَن شك في هذا، فلْيخبرنا: مَنْ ذاك الذي يستطيع أن يصرخ بين ظَهرانَيْ دولةٍ من تلك الدول بما يخالفُ اعتقادَ أهلها وتألفُه عامَّتُها وخاصتُها؟! ووقوعُ مثلِ ذلك نادر، إنما يقوم به أفرادٌ من مُخلِصِي العلماء ومنصفيهم وقليلٌ ما هم؛ فإنهم لا يوجَدون إلَّا على قِلَّةٍ وإعواز (٢)، وهم حَمَلَةُ الحُجة على الحقيقة، والقائمون ببيانِ ما أنزل اللَّه، والمترجِمون (٣) للشريعة، وهم العلماءُ حقًّا.

وأما غيرُهم ممن يَعلم كما يعلمون، ولا يتكلم كما يتكلمون؛ بل يكتمُ ما أَخذ اللَّهُ عليه بيانَه، ويعملُ بالجهل مع كونه عالِمًا بأنه جهل، ويقول بالبدعةِ مع اعتقاده أنها بدعة: فهذا ليس بأهلٍ لدخوله في مسمَّى العلم، ولا يستأهلُ أن يوصَف بوصفٍ من أوصافه، أو يدخلَ في عِداد أهله؛ بل هو متظهِّرٌ، وأقوالُه وأفعالُه وحركاتُه وسكناتُه بالجهل والبدعة مطابقةٌ لأهل الجهل والابتداع، وتنفيقًا لنفسه عليهم (٤)، واستجلابًا لقلوبهم، ومُداراةً لهم، حتى يبقى عليه جاهُه، ويستمرَّ له رَزقُه الجاري عليه من بيت مال المسلمين أو وَقْفِهم أو نحو ذلك.

فهذا هو من البائعين عرَض الدين بالدنيا، المؤثِرين العاجلةَ على الآجلة، فضلًا عن أن يَستحقَّ الدخولَ في أهل العلم، والوصولَ إلى هذا العلم.

ومَن شكَّ فيما ذكرتُه، أو تردَّد في بعض ما سُقتُه، فلْيُمْعِنِ النظرَ في أهل


(١) أي: عند هؤلاء وأمثالهم.
(٢) الإعواز: الفقر والحاجة.
(٣) المترجِمون: المبيِّنون. (٤) أي: لكي يُقبلَ ويُرفعَ عندهم.

<<  <   >  >>