للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقطعُ بأنه في فِعله داعٍ من دعاة الحق، وهادٍ من هُداة الشرع، وأن غيره على ضلالة.

وهذا وأمثاله هم أشدُّ الناس على من يريدُ إرشادَهم إلى الحق ودفعَهم عن البدع؛ لأن طبائعَهم قد تكدَّرت، وفِطَرَهم قد تغيَّرت، وبلغت في الكثافة والغِلظة والعَجْرَفة (١) إلى حدٍّ عظيم لا تؤثِّرُ فيه الرُّقَى، ولا تبلغ إليه المواعظ، فلم تَبقَ عندهم سلامةُ طبائعِ العامةِ حتى ينقادوا إلى الحق بسرعة، ولا قد بلغوا إلى ما بلغ إليه الخاصةُ من رياضة أفهامهم، وتلطيفِ طبائعهم بممارسةِ العلوم التي تُتعقَّلُ بها الحُججُ الشرعية، ويُعرف بها الصواب، ويَتميز بها الحق، حتى صاروا إذا أرادوا النظر في مسألةٍ من المسائل أمكنهم الوقوفُ على الحق، والعثورُ على الصواب.

وبالجملة، فالخاصةُ إذا بقي فيهم شيءٌ من العصبية، كان إرجاعُهم إلى الإنصاف متيسِّرًا غيرُ متعسِّر؛ بإيراد الدليلِ الذي تقوم به الحجةُ لديهم؛ فإنهم إذا سمعوا الدليل عَرفوا الحق، وإذا حاولوا وكابروا، فليس ذلك عن صميم اعتقاد، ولا عن خلوصِ نية. فرياضةُ الخاصة بإيراد الأدلة عليهم، وإقامةِ حجج اللَّه، وإيضاحِ براهينه، وذلك يكفي؛ فإنهم لِمَا قد عرفوه من علوم الاجتهاد، ومارسوه من الدقائق لا يخفى عليهم الصواب، ولا يلتبسُ عليهم الراجحُ بالمَرجوح، والصحيحُ بالسقيم، والقويُّ بالضعيف، والخالصُ بالمغشوش.

ورياضةُ العامة بإرشادهم إلى التعلُّم، ثم بذلِ النفس لتعليمهم ما هو الحقُّ في اعتقاد ذلك المعلِّم، بعد أن صار داعيًا من دعاة الحق، ومرشدًا من


(١) العَجْرفة: فساد العقل وقلة المبالاة.

<<  <   >  >>