للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العلم الذي ينبغي عَدُّ صاحبه من جُملةِ أهل العلم؛ لأن كل مقلِّدٍ يُقرُّ على نفسه بأنه لا يَعقِلُ حُججَ اللَّه، ولا يفهمُ ما شرعه لعباده في كتابه وعلى لسان رسوله (١)، وأن مَنْ ظَفِر مِنْ طلبه، وفاز مِنْ كدِّه ونصبه بمجردِ اتباع فردٍ من أفراد علماء هذه الأمة وتقليدِه، وقبولِ قوله دون حُجته: فلم يَظفر بطائل، ولا نال حظًّا.

فإن بقي فيمن كان مِنْ هذه الطبقةِ نصيبٌ من علوِّ الهمة، وحظٌّ من شرف النفس، وقِسطٌ من الرغبة في نَيل ما هو أعلى مناقبِ الدنيا والآخرة، فقد تَميلُ نفسه إلى العلم بعضَ الميل، فيأخذُ من علوم الاجتهاد بنصيب، ويفهمُ بعض الفهم، فيَعرفُ أنه كان معلِّلًا لنفسه بما لا يُسمِنُ ولا يُغني من جوع، ومشتغلًا بما لا يرتقي به إلى شيءٍ من درجات العلم.

فهذا الدواءُ لأهل هذه الطبقة من أنفع الأدوية، وهو لا يؤثِّرُ بعض التأثير إلا مع كون ذلك المخاطَب له بعضُ استعدادٍ للفهم، وعنده إدراكٌ وهو القليل.

أمَّا من كان لا يفهمُ شيئًا من علوم الاجتهاد وإن أجهد نفسه، وأطال عناءها، وأعظم كدَّها؛ كما هو الغالبُ على أهل هذه الطبقة؛ فإنهم إذا استفرغوا وُسعَهم في علم الرأي، وأنفقوا في الاشتغال به شطرًا من أعمارهم، وسكنت أنفسُهم إلى التقليد سكونًا تامًّا، وقبِلتْه قبولًا كليًّا: لم تَبْقَ فيهم بقيةٌ لفهم شيءٍ من العلوم. وقد شاهَدْنا من هذا الجنس مَنْ لا يأتي عليه الحصر.

وقد تَقتضيهِ في بعض الأحوال رغبةٌ تجذبُه إلى النظر في علم النحو، فلا يفهمُه قط؛ فضلًا عن سائر علوم الاجتهاد التي يفتتحُها الطلبةُ بِهذا العلم.


(١) فتعريف التقليد في أصول الفقه هو: قبولُ قول الغيرِ بلا حُجة.

<<  <   >  >>