والتعسُّفُ الخالص، والتحكُّمُ الصِّرف؟ فهلَّا صنعتم في هذا الفن الذي هو رأسُ الفنون وأشرفُها كما صنعتم في غيره؛ فرجعتم إلى أهله، وتركتم ما تجدونه مما يخالِفُ ذلك في مؤلَّفاتِ المشتغلِين بالفقه؛ الذين لا يفرِّقون بين أصحِّ الصحيح وأكذبِ الكذب؛ كما يعرفُ ذلك مَنْ يعرفُ نصيبًا من العلم وحظًّا من العرفان؟!.
ومَن أراد الوقوفَ على حقيقة هذا، فلْينظر مؤلَّفاتِ جماعةٍ هم في الفقه بأعلى رتبة، مع التبحُّرِ في فنونٍ كثيرة كالجُوينى والغزَّالى وأمثالهما؛ فإنهم إذا أرادوا أن يتكلَّموا في الحديث، جاؤوا بما يَضحَكُ منه سامعُه ويَعجَب؛ لأنهم يُورِدون الموضوعات فضلًا عن الضِّعاف، ولا يعرفون ذلك، ولا يَفطِنون له، ولا يفرِّقون بينه وبين غيره! وسببُ ذلك عدمُ اشتغالهم بفنِّ الحديث كما ينبغي، فكانوا عند التكلم فيه عبرةً من العِبَر.
وهكذا حالُ مِثلِ هاذين الرجلين وأشباههم من أهل طبقتهم مع تبحُّرهم في فنونٍ عديدة؛ فما بالُك بمن يتصدَّى للكلام في فنِّ الحديث، ويشتغلُ بإدخاله في مؤلفاته، وهو دون أولئك بمراحلَ لا تُحصر؟!.
وهكذا تجدُ كثيرًا من أئمَّة التفسير الذين لم يكن لهم كثيرُ اشتغالٍ بعلمِ السنة كالزمخشري والفخر الرازي وغالبِ من جاء بعدهم؛ فإنهم يُورِدون في تفاسيرهم الموضوعاتِ التي لا يَشكُّ مَنْ له أدنى اشتغالٍ بعلم الحديث في كونه موضوعًا مكذوبًا على رسول اللَّه ﷺ، وذلك المفسِّرُ قد أدخله في تفسيره، واستَدلَّ به على ما يقصدُهُ من تفسير كتاب اللَّه سبحانه!!.
وهكذا أئمةُ أصول الفقه؛ فإن أكثرَ مَنْ يشتغلُ مِنْ الناس في هذا الزمان بمؤلَّفاتِهم لا يَعرفون فنَّ الحديث، ولا يميِّزون شيئًا منه؛ بل يَذكُرون في