للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

علم الصَّرف، وإذا احتاج إلى معرفةِ إعراب أواخِر كَلِماتِهِ رجع إلى علم النحو، وإذا أراد الاطلاعَ على ما في ذلك الحديث من دقائقِ العربية وأسرارِها رَجَع إلى علم المعاني والبيان، وإذا أراد أن يَسلُكَ طريقة الجَمع والترجيح بينه وبين غيره رَجع إلى عِلم أصولِ الفقه.

فالعالِمُ إذا صَنَع هذا الصُّنعَ ظَفِرَ بالحق من أبوابه، ودخل إلى الإنصاف بأقوى أسبابه.

وأما إذا أخَذَ العلمَ عن غير أهله، ورجَّح ما يجدُه من الكلام لأهل العلم في فنونٍ ليسوا من أهلها، وأعرَضَ عن كلام أهلها؛ فإنه يَخبِطُ ويُخلِّطُ، ويأتي من الأقوال والترجيحات بما هو في أبعدِ درجاتِ الإتقان، وهو حقيقٌ بذاك؛ فإن مَنْ ذهب يُقلِّدُ أهلَ علم «الفقه» فيما ينقُلونه من أحاديثِ الأحكام، ولم يقتدِ بأئمة الحديث، ولا أخَذَ عنهم، و [لا] اعتمد مؤلفاتِهم، كان حقيقًا بأن يأخذَ بأحاديثَ موضوعةٍ مكذوبةٍ على رسول اللَّه ، ويُفرِّعَ عليها مسائلَ ليست من الشريعة؛ فيكونُ من المتقوِّلين على اللَّهِ بما لم يَقُل، المُكلِّفِينَ عبادَه بما لم يَشْرَعْه؛ فيَضِلُّ ويُضِلُّ، ولابد أن يكون عليه نصيبٌ من وِزرِ العامِلين بتلك المسائلِ الباطلةِ إلى يوم القيامة؛ فإنه قد سَنَّ لهم سَننًا سيئةً، ويَصدُقُ عليه قولُ النبيِّ : «مَنْ أُفتي بفُتيا غيرِ ثَبْتٍ، فإنما إثمُهُ على الذي أفتاه»، أخرجه أحمد في «المسند»، وابن ماجه.

وفي لفظٍ: «من أُفتيَ بفُتيا بغيرِ علم، كان إثْمُ ذلك على الذي أفتاهُ». أخرجه أحمد، وأبو داود، ورجال إسناده أئمةٌ ثقات (١).


(١) حسن: رواه أحمد (٢/ ٣٢١)، وأبو داود (٣٦٥٧)، وابن ماجه (٥٣)، وحسَّنه الشيخ الألباني، والشيخ شعيب الأرنؤوط.

<<  <   >  >>