فهذه الجهة التي وصفنا من خطأ الإسناد ومتن الحديث هي أظهر الجهتين خطأ، وعارفوه في الناس أكثر. والجهة الأخرى أن يروي نفر من حفاظ الناس حديثا عن مثل الزهريّ أو غيره من الأئمة بإسناد واحد ومتن واحد، مجتمعون على روايته في الإسناد والمتن، لا يختلفون فيه في معنى، فيرويه آخر سواهم عمن حدث عنه النفر الذين وصفناهم بعينه فيخالفهم في الإسناد، أو يقلب المتن، فيجعله بخلاف ما حكى من وصفنا من الحفاظ، فيعلم حينئذ أن الصحيح من الروايتين ما حدث الجماعة من الحفاظ دون الواحد المنفرد، وإن كان حافظاً. على هذا المذهب رأينا أهل العلم بالحديث يحكمون في الحديث، مثل شعبة وسفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهم من أئمة أهل العلم، وسنذكر من مذاهبهم وأقوالهم في حفظ الحفاظ وخطأ المحدثين في الروايات ما يستدل به على تحقيق ما فسرت لك إن شاء الله (١). انتهى المراد منه.
وقد صنف الحافظ أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي (ت: ٤٦٣ هـ) كتاب (موضح أوهام الجمع والتفريق) ذكر فيه أسماء وكنى وألقاب وما ينسب إليه كثير من الرواة والتي يقع بسببها أوهام عن الرواة أو المخرجين. كما صنف أيضًا (المتفق والمفترق)، و (المؤتلف والمختلف)، و (المؤتنف) في هذا الباب، وصنف ابن ماكولا علي بن هبة الله (ت: ٤٧٥ هـ) كتاب (تهذيب مستمر الأوهام) استفاد فيه مما كتب الخطيب البغدادي وزاد عليه، بل وانتقده في بعض المواضع.
وفي كتب العلل والتراجم والتخريج تصحيح لكثير مما ورد من الوهم في هذا الباب.
(١) انظر التمييز ص ١٦٨: ١٧٢ - تحقيق د محمَّد مصطفى الأعظمي (مكتبة الكوثر - المربع - السعودية).