للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعنى هذا: أن العمليات الربوية ليست عمليات مفردةً، ولا بسيطة، فهي عمليات مكررةٌ من ناحية، ومركبةٌ من ناحية أخرى، فهي تنشئ مع الزمن، والتكرار، والتركيب أضعافًا مضاعفة بلا جدال (١).

غير أن أكلة الرِّبا يبتكرون حيلًا لقلب الدَّيْن على المدين، فيعمدون إلى معاملاتٍ ظاهرها الصِّحَّة، ويحاولون جاهدين أن تكونَ إجراءاتها خاضعةً للضوابط الشرعية، إلا أنها في حقيقة الأمر تكونُ من قلب الدَّيْن على المدين

المعروف بربا الجاهلية.

وحين النظرِ إلى التَّورُّق في بطاقتي التيسير والخير، نجد أنها من قبيل التحايل لقلب الدَّيْن على المدين (حامل البطاقة)، فإذا صدر كَشْفُ الحساب: فحاملُ البطاقة يكون مخيرًا بين الوفاء بالدَّيْن، أو بالدخول في عملية التَّورُّق حين عجزه عن السَّداد، وهذه العملية -أي: التَّورُّق- هي في الحقيقة حيلة لقلب الدَّيْن على حامل البطاقة، بمعنى أن السِّلعة اتخذت ستارًا وحيلةً لقلب الدَّيْن، بدليل أن حامل البطاقة لا يريد السِّلعة، بل إنه قد لا يعرفها أصلًا، والعبرة في العُقُود بالمقاصد والمعاني، لا بالألفاظ والمباني، والعلماءُ -رحمهم الله- يرون أن التحايل لاستحلال ما حرَّم الله أشدّ إثمًا من ارتكاب المحرم مباشرة؛ لأنَّ الحيلةَ المحرَّمة -كما ذكرت سابقًا فُي مبدأ الحِيَل- تقتضي رفع التَّحريم مع قيام موجبه، ومقتضيه، ويلزمُ منها فعل المحرم مع ما تتضمَّنه من المكر، والخداع، والتلبيس، إضافةً إلى أن الحيلة قد توجب الكلفة بشراء السِّلعة، وبيعها بخسارة، يقول ابن القيم نقلًا عن شيخ الإسلام: "المعنى الذي لأجله حرّم الرِّبا موجود فيها -يعني: صورة التَّورُّق الفردي- بعينه مع زيادةِ الكلفة بشراء السِّلعة، وبيعها، والخسارة فيها، فالشَّريعةُ لا تحرِّمُ الضَّررَ الأدنى، وتبيح ما هو أعلى منه" (٢).


(١) انظر: تفسير آيات الرِّبا. سيد قطب (٤٩).
(٢) إعلام الموقعين (٣/ ١٧٠).

<<  <   >  >>