للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التي تدل على فسادِ العملية، فإنَّ التَّورُّق المصرفي يكون ممنوعًا عند المالكية، بناءً على رأيهم في التَّورُّق الفردي، ويتَّضح هذا بأمرين:

الأمر الأول: "التفريق بين أهل العِيْنَة وغيرهم، وأن أهلَ العِيْنَة يعاملون بما لا يعامل به سائر الناس، وهذا التفريقُ يثبت تفريق فقهاء المالكية بين العمل المنظم وبين العمل التلقائي، وهذا واضحٌ في أن المعاملة إذا تحوَلت من تصرُف فردي عفوي إلى عملٍ منظمٍ أخذت بعدًا آخر لم يكن معتبرًا من قبل.

الأمر الثاني: الأخذ في الاعتبار أي علاقة إضافية بين المُتَوَرِّق والبائع، مثل رجوع المشتري للبائع ليضعَ عنه، أو أنه يدفع له بعضَ الثمن نقدًا، وبعضه نسيئة، من أجل تيسير المعاملة على المشتري في الحالتين، ومثل هذه العوامل لا توجدُ في التَّورُّق الفردي، الذي لا يتضمَّن أي صلة إضافية للبائع بالمُتَوَرِّق مطلقًا، فوجودُ علاقة إضافية بين البائع وبين المُتَوَرِّق تؤثر في الحكم قطعًا عند المالكية، فإذا اجتمع هذان الأمران (كون البائع من أهل العِينَة، ووجود علاقة إضافية بينه وبين المُتَوَرِّق) كان الحكم هو التَّحريم. . . ويرجع ذلك -والله أعلم- إلى أن أصلَ التَّورُّق مكروه عند المالكية، لاشتباهه بالرِّبا، فإذا وجدت قرائنُ إضافية تدلُّ على تواطؤ الأطراف المعنية من أجل تأمين النَّقْد الحاضر بالمؤجَّل، فهم يمنعون منها جَزْمًا، وبناءً على ذلك يمكنُ القَولُ بأن مذهبَ المالكية بناء على نصوص الإمام مالك، وأكابر أصحابه، وفقهاء المذهب يقتضي تحريم التَّورُّق المنظم. . . وذلك لأنَّ هذا العملَ يتضمَّن علاقة إضافية بين البائع والمُتَوَرِّق لا توجدُ في التَّورُّق الفردي، ولأنها تتمُّ مع جهات متخصصة ومتفرغة

للتَّمْويل، ويتمُّ التفاهمُ بين الأطراف مسبقًا لقصد التمويل، وهذه تدلُّ صراحةً على تواطؤ الأطراف بغرض مبادلة دراهم حاضرة بمؤجَّلة، وهي العوامل التي لأجلها منعوا التَّعامُل مع أهل العِيْنَة (١).


(١) التَّورُّق والتَّورُّق المنظم. سامي السويلم (٦٢ - ٦٣).

<<  <   >  >>