٢ - عرفنا فيما سبق -في مبحث العِيْنَة- أن المالكية يحرمون بيع العِيْنَة بناءً على قاعدة من قواعد المذهب المالكي، وهي [سدّ الذرائع] يقول الدردير عن بيوع الآجال: "وهو بيعٌ ظاهره الجواز لكنه يؤدِّي إلى ممنوع فيمنع، ولو لم يقصد فيه التَّوصُّل إلى الممنوع سدًّا للذريعة التي هي من قواعد المذهب. . . كبيع سِّلعة بعشرة لأجل، ثمَّ يشتريها بخمسة نقدًا، فقد آل الأمر إلى رجوع السِّلعة، وقد دفع قليلًا عاد إليه كثيرًا"(١).
وإذا كان المالكيةُ يحرِّمون بيع العِيْنَة لأنها حيلةٌ محرمة، وذريعة إلى الرِّبا، فالتَّورُّق المصرفي يكون محرَّمًا عند المالكية، إذ التَّورُّق المصرفي حيلة لتحصيل نقد حاضر مقابل زيادة في ذِمَّة العميل (المُتَوَرِّق)، واتخذت سلسلة من البيوع والاتفاقيات ستارًا لتحليل ذلك، فالقَولُ بتحريم العِيْنَة، وتحريم الحِيَل، والقول بقاعدة [سدّ الذرائع] كل هذا يدلّ على أن التَّورُّق المصرفي محرم عند المالكية، ولا يخفى أن التَّورُّق المصرفي يعدّ عينة محرمة، فالبنكُ يؤمِّن النَّقْد للعميل (المُتَوَرِّق) بموجب التوكيل، فالبنكُ هو مصدر السُّيُولة في عملية التَّورُّق المصرفي، وهذا هو نفسُ الدّور الذي يقومُ به المشتري الثاني في بيع العِيْنَة، وسيأتي بَسْطُ هذا في الأمور الدالة على حُرمة التَّورُّق المصرفي.
٣ - عرفنا فيما سبق -من موقف المالكية من بيع التَّورُّق- أن المالكية يرون كراهة التَّورُّق الفردي، بناءً على قاعدة [المدخلات والمخرجات] ومعنى هذه القاعدة: أن تقويمَ التَّعامُل بين طرفي الصفقة يتمُّ من خلال النظر في مدخلاتها ومخرجاتها ككلّ، دون النظر إلى تفاصيل ما يدورُ بين طرفيها، فحقيقتها عدم اعتبار ما كان لغوًا من تصرُّفات العاقدين، بل الاعتبار مرتبط بالمحصلة النهائية،
(١) الشرح الصغير على أقرب المسالك لأحمد الدردير (٣/ ١١٦).