المصرفي لا تفيد الحياة الاقتصادية بقدر ما تضرُّها، حتى لو كانت طريقًا للحصول على السُّيُولة، فإن الرِّبا يحقّق السُّيُولة للمقترض، ولم يعنِ هذا جوازه، فالمنافع الاقتصادية التي يحقّقها البيع والشراء الحقيقي معدومة في التَّورُّق المصرفي، وبيان هذا يتَّضحُ في الآتي:"أن البيع مبادلةٌ لشيئين مختلفين، واختلاف البدلين هو الذي يسمح أن تكون المبادلة نافعة للبائع والمشتري"(١). فكل طرف في المبادلة يبذل ليأخذ ما يحتاج إليه، وعملية التبادل التي تتمُّ بواسطة البائع والمشتري هي بدورها تقوم بتنشيط حركة السُّوق، والتي تفيد الحياة الاقتصادية، فالبائع يأخذ الثمنَ ليستفيد منه في قضاء حاجاته، والمشتري يأخذ السلعة ليستفيد منها إما بالاستهلاك، أو بالاستثمار، وهكذا لتبقى الحياة الاقتصادية نشيطة دون فتور، أو كساد.
وأما عمليةُ التَّورُّق المصرفي فهي في حقيقية الأمر مبادلةٌ بين متماثلين كالقرض باشتراط الفائدة، فهي في الحقيقة تحصيل نقد مقابل زيادة في الذمة، واتخذ البيع ستارًا لذلك، فعملية التبادل في التَّورُّق المصرفي معدومة النفع بحكم أن العملية كانت بين بدلين متماثلين، وعملية التبادل لا تجدي، ولا تنفع الحركة الاقتصادية إلا إذا كان البدلان مختلفين، كما يجري في البيع والشراء الحقيقي، ولذلك فإن المجتمع إذا فشتْ فيه عمليات التَّورُّق المصرفي، فإنَّه حتمًا سينعدم النشاط الاقتصادي المنتج، وتعم المدْيُونيَّة، ويزداد الغنيّ غنى، والفقير فقرًا تمامًا كالأضرار الناجمة عن الرِّبا.
الأمر السابع: أن التَّورُّق المصرفي لا يحقّق فلسفةَ التَّمويل في الإسلام، وبيان هذا كالآتي: أن التَّمويل يخدمُ البيع والشراء، الذي يحقّق مصلحة كلِّ من البائع والمشتري، بمعنى أن النشاط الاقتصادي الذي تقوم عليه الحياة هو
(١) التكافؤ الاقتصادي بين الرِّبا والتَّورُّق. سامي السويلم (١١).