عقد منها على انفراد، ثمَّ ينظر إلى قَصد أطراف المعاملة، وهو أنهم يتعاونون على الوصول إلى هدف واحد تتحد فيه إرادتهم، هو توفير مبالغ نقدية للمتعاملين حتى يدفعوا أكثر منها بعد أجل. . . ولا شكَّ في أن غايةَ هذه العملية محرَّمة، ونتيجتها ممنوعة شرعًا، ألا وهي حصولُ المُتَوَرِّقين على نقودٍ حالّة في مقابل الالتزام بنقود أكثر منها بعد أجل، وللمجموع في الشَّريعة حكم يختلف عن حكم كل فرد من أفراده، فكل من بيعتي العِيْنَة مباح لاستيفاء الأركان والشروط، ويحرم اجتماعهما؛ لأنَّ هذا الاجتماعَ قرينةٌ قوية على قصد الحصول على نقد في الحال، ودفع أكثر منه في المستقبل، والسِّلعة محلل لذلك" (١).
الأمر الخامس: أن التَّورُّق الفردي بصورته البسيطة العفوية قد اختلف العلماء في حكمه اختلافًا قويًا، وعدّه المانعون بأنّه ذريعة إلى الرِّبا، بل بعضهم كابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما -رحمهم الله- منعوه لزعمهم أن المعنى الذي لأجله حرم الرِّبا موجود فيه، فما بالك بالتَّورُّق المصرفي البالغ التعقيد، الكثير الأطراف؟! بل إن بعض الفقهاء حرَّموا التَّورُّق الفردي لوجود قرائن تدلُّ على أن العملية اتخذت صورةَ التنظيم، فما بالك بالتَّورُّق المصرفي الذي بلغ غاية التنظيم والترتيب، والعلماء لما منعوا التَّورُّق الفردي لوجودِ صورةِ التنظيم، إنما منعوه لأنَّ التنظيمَ يدلُّ على أن القصد من العملية تحصيل نقد مقابل زيادة في الذمة.
الأمر السادس: أن الحكم الشرعي إنما جاء ليحقّق مصالحَ الناس في شتى مجالات حياتهم الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والمصلحة الاقتصادية تقتضي منع التَّورُّق المصرفي، فإن تقويمَ هذه المعاملة من الناحية الاقتصادية يعكسُ لنا صورةً من أضرارها الاقتصادية على المجتمع، فعمليةُ التَّورُّق
(١) تعليق على بحوث التَّورُّق. حسين حامد حسان (٧).