للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلع، وبهذا نعرف أن الأمرَ لا يعدو أن يكون قيودًا لا يقابلها شيء في الواقع العملي، وقَولُ ابن عباس: (دراهم بدراهم دخلت بينهما حريرة) (١) لا ينطبق على التَّورُّق المصرفي، فحتى هذه الحريرة غير موجودة، وإنما دراهم بدراهم، ليس بينهما شيء إلا ورقة مكتوبة (٢).

وعلى فرض وجود سلعة، فإن هناك إشكالًا آخر يتمثل في القبض، فالبورصات العالمية تجري فيها بيوع كثيرة في لحظات بسرعة فائقة، ونتيجة السرعة فإنه "لا تُراعى فيها الشروط الشرعية من تعيُّن المبيع، وإفرازه عن غير المبيع، ومن كون المبيع. في ملك البائع وحَوْزته، وإنما تقع البيوع المتعددة بتبادل الأوراق، وهي في كثير من الأحيان لا تمثل بضاعة معينة، وإنما تمثل حقّ الحامل في تسلم كمية من المخازن التي تودع فيها آلاف الأطنان من نفس السِّلعة، والكمية التي تمثله هذه الأوراق غير متميزة عن الكمية الباقية، فلا تأتي الكميةُ المشتراةُ في ضمان المشتري، ويبيعها المشتري إلى آخر قبل أن تتميزُ وتضمن من قبل المشتري، فيقع فيها محظور ربح ما لم يضمن" (٣) فالبنكُ إذا اشترى السِّلعة من الشركة البائعة بقصد بيعها على المُتَوَرِّقين بربح، فإنَّه يقعُ في محظور ربح ما لم يضمن، وذلك لأنَّ البنك يشتري السِّلعة، ولا يقبضها، فيبيعها على المُتَوَرِّق بربح، وقد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحلّ سلف، وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن" (٤)، وعلى فرض أن السِّلعة قد


(١) مصنف ابن أبي شيبة. كتاب البيوع: من كره العِيْنَة (٤/ ٢٨٢) رقم (٢٠١٥٧).
(٢) انظر: العِيْنَة والتَّورُّق والتَّورُّق المصرفي. علي السالوس (٥٨ - ٦٠).
(٣) أحكام التَّورُّق وتطبيقاته المصرفية. محمَّد تقي العثماني (٢٤).
(٤) سنن أبي داود. كتاب الإجارة، باب: في الرجل يبيع ما ليس عنده (٣/ ٢٨٣) رقم (٣٥٠٤). وسنن الترمذي كتاب البيوع، باب: ما جاء في كراهية بيع ما ليس عندك (٣/ ٥٣٤) رقم (١٢٣٤) وسنن النسائي. كتاب البيوع باب: سلف وبيع. (٧/ ٢٩٥) رقم (٤٦٢٩).

<<  <   >  >>