عُينت، وحُدِّدت، والقول بـ (القبض الحكمي) الذي يحكم بانتقال الضَّمان بمجرد العقد إذا تعينت السِّلعة، فإننا نقعُ في إشكالية أخرى، وهي: أن القبضَ الحكمي كما يكونُ طريقًا للتيسير، فإنَّه يكونُ طريقًا للاحتيال والتلاعب، فعمليةُ التَّورُّق المصرفي "تتمّ برأس مال كبير، وسرعة فائقة، فاحتمالُ التلاعب فيها وارد، وبخاصة أن التَّعامُل في أصله مع جهات أجنبية تجهل الدِّيْن وأحكامه، بل لا تدين به، وقد يكون الطرفُ الآخر ممن لا يأنف الرِّبا أيضًا، وهذا لا يناسبه الاعتبار بالقبض الحكمي"(١).
والذي يؤيد أن القبض الحكمي صار طريقًا للتلاعب والاحتيال في البنوك: أن السِّلعة لا تبرحُ مكانها، مع أنَّه يجري على تلك السِّلعة العشرات من العُقُود، ومن اطلع على بيانات بعض العُقُود يجد أن رقم السِّلعة، التي هي محلّ العملية، يتكرر دائمًا في عمليات كثيرة، مما يدلُّ على أن السِّلعة جامدة في مكانها.
والغريب الذي يثيرُ الإعجابَ أن الإجراءات العملية للتورق المصرفي تؤكد بشدة وجود القبض في العملية، حتى تكون صورة عقد التَّورُّق المصرفي صحيحة، فهم يؤكدون أن العميل (المُتَوَرِّق) سيقبض السِّلعة حكميًا، والبنك بتأكيده وجود القبض في العملية إنما يريدُ أن يثبت أن عملية التَّورُّق المصرفي مستوفية الشروط والأركان، وعلى فرض وجود القبض في العملية، فإنَّه لا يشترطُ -هنا- في حقّ المُتَوَرِّق؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ربح ما لم يضمن، والمُتَوَرِّق لا يربح أصلًا، بل إنه يخسرُ بدليل أنه يبيع السِّلعة بثمن أقل من الثمن المؤجَّل، وبما أن المُتَوَرِّق لا يربحُ، فلا يشترط القبض في حقّ المُتَوَرِّق، وأما في حقّ البنك فالقبضُ مشروطٌ؛ لأنَّ البنك يربحُ في السلعة دون قبض، فيقع في نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - (ولا ربح ما لم يضمن).
(١) التَّورُّق كما تجريه المصارف في الوقت الحاضر. عبد الله السعيدي (٣٥).