للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمر الثاني: دلالةُ نصوصِ الفقهاء، فبعضُهم يفسِّر العِيْنَة بما يشملُ صورةَ التَّوَرُّق كما عند الحنفية، فبعضُهم فسَّر العِيْنَة بتفسيرٍ هو عينُ التَّوَرُّق الجائز عند الجُمْهورِ، فقالوا: "أن يأتي الرجلُ المُحتاجُ إلى آخر، ويستقرضُه عشرة دراهم، ولا يرغبُ المقرضُ في الإقراض. . . فيقول: لا أقرضك، ولكن أبيعك هذا الثوبَ إن شئت باثني عشر درهمًا، وقيمته في السُّوق بعشرةٍ ليبيعه في السُّوق بعشرةٍ، فيرضى به المستقرضُ، فيبيعه كذلك، فيحصل لربِّ الثوبِ درهمان، وللمشتري قرض عشرة" (١).

وقول أبي يوسف -رحمه الله-: "العِيْنَة جائزةٌ مأجورٌ مَنْ عَمِلَ بها" (٢).

وسبق أن بينتُ أن قولَ أبي يوسف يحملُ على عدمِ عودِ السِّلْعةِ إلى بائعها الأول.

ولما أراد بعضُ الحنفية تعريفَ العِيْنَة، عرَّفه بتعريفٍ غير مانع من دخول معنى التَّوَرُّق فيه، فها هو السَّرخسي يقول عندما أراد تعريفَ العِيْنَة: "أن يبيعه ما يساوي عشرة بخمسةَ عشرَ ليبيعه المستقرض بعشرة" (٣)، وهذا التعريفُ في

الحقيقة شاملٌ لمعنى التَّوَرُّق، والسبب الذي جَعَلَ السَّرخسي يقول بهذا: أنَّ الحنفيةَ يدرجُون التَّوَرُّقَ ضمن صُور العِيْنَة، ويجعلُونها صورةً مستثناةً من حُكْم التحريم، فهم لم يذكروا التَّوَرُّقَ كمسألةٍ مستقلةٍ، وإنما يذكرونه تحت صُور العِيْنَة، وهذا يدلُّ على دُخُولِ التَّوَرُّق في العِيْنَة؛ لاسيما وأن بينهما أوجهَ شبهٍ قوية، كما سيأتي.

وكذلك الأمرُ بالنِّسبة إلى المالكية، فالعِيْنَة عندهم تشملُ التَّوَرُّق؛ لأنهم لما


(١) حاشية ابن عابدين (٥/ ٢٧٣).
(٢) المرجع السابق (٥/ ٢٧٣).
(٣) المبسوط للسرخسي (١٤/ ٣٦).

<<  <   >  >>