للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كرهوا العِيْنَة اشترطوا لكراهتها أن تباعَ السِّلْعةُ إلى البائعِ الأولِ (١)، فيخرج من ذلك التَّوَرُّق، يقول ابنُ رُشْد: "وسُئِلَ مالك عن رجلٍ يبيعُ السِّلْعةَ من الرجل بثمنٍ إلى أجلٍ، فإذا قبضها منه، ابتاعها منه رجلٌ حاضرٌ كان قاعدًا معهما، فباعها منه، ثم إن الذي باعها الأول اشتراها منه بعد، وذلك في موضعٍ واحدٍ قال: لا خيرَ في هذا، ورآه كأنه محللٌ فيما بينهما" (٢) فالإمامُ مالك إنما منع هذه الصُّورةَ لوجودِ الرجل الثالث، الذي يُعَدُّ مُحللًا للعينة، ولولا وجودُه لجاز ذلك عنده إذا بيعتِ السِّلْعةُ لغير بائعها الأول، ولذلك فإن الباحثَ عن حُكْم التَّوَرُّقِ عند المالكية، فسيجده كصورةٍ من صُورِ العِيْنَة التي ذكروها تحت بُيوعِ الآجالِ.

وإذا نَظَرْنا إلى الشَّافعيةِ فالتَّوَرُّق كذلك يدخلُ في العِيْنَة عندهم، حيثُ إنَّهم يرون جَوازَ العِيْنَة، فيكون التَّوَرّق أولى بالجوازِ من العِيْنَة، ولذا فإنَّ الباحثَ عن حُكْم التَّوَرُّق عند الشَّافعية لن يجده صريحًا في كتبهم، وإنما يُخرَّج من كلامِهم في العِيْنَة.

وأما الحنابلةُ فهم الذين ذَكَروا التَّوَرُّقَ كمسألة مستقلة، ويخصُّونه باسم التَّوَرُّق، حيث لم يردْ بهذه التَّسْميةِ في كتب الفقهاء إلا عند بعضِ فقهاءِ الحنابلة (٣) غير أنهم لا يذكرونَ التَّوَرُّق إلا حين تذكر العِيْنَة لوجود التشابه بينهما، يقول ابنُ القيم: "إن أعاد السِّلْعة إلى بائعها، فهي العِيْنَة وإن باعها لغيره فهي تورق" (٤).

وبهذا يتبينُ أن جمهورَ الفقهاء يدرجُون التَّوَرُّق ضمن صُور العِيْنَة كالحنفية، والمالكية، أو أنه يُخرَّج من كلامهم عن العِيْنَة كالشَّافعية، أو أنه يذكرُ حيث تذكرُ العِيْنَة كما عند الحنابلةِ.


(١) انظر: حاشية الدسوقي (٣/ ٧٧).
(٢) البيان والتحصيل، لابن رشد القرطبي (٧/ ٨٩).
(٣) راجع ص (١٢).
(٤) إعلام الموقعين (٣/ ١٧٠).

<<  <   >  >>