للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحزن، لأنه يتفكر في سالف ذنوبه فيحزن على تفريطه، وفيما قال العلماء والصالحون فيحزن لفوته" (١).

وقد أيده في ذلك ابن قيم الجوزية فقال: "يحمد في الحزن سببه ومصدره ولازمه لا ذاته، فإن المؤمن إما أن يحزن على تفريطه وتقصيره في خدمة ربه وعبوديته، وإما أن يحزن على تورطه في مخالفته ومعصيته وضياع أيامه وأوقاته. وهذا يدل على صحة الإيمان في قلبه وعلى حياته، حيث شغل قلبه بمثل هذا الألم فحزن عليه" (٢). والإنسان المؤمن إذا عاش حزينًا على ما فاته من ثواب، نادمًا على تقصيره، حذرًا مما قد يرتكبه من آثام ومعاصي في مستقبل أيامه، تيقّظ قلبه، وتنبّهت جوارحه، ونشطت همته للمداومة والمثابرة على الطاعات والعمل الصالح.

وهذا يعتبر في حد ذاته قيمة تربوية كبير لتعديل السلوك وضبط الشهوات والدوافع.

وقد أورد ابن الجوزي بعض أقوال العلماء في الحزن، ليؤكد أهميته بما يزيد من إيمان المسلم، ويحفزه للعمل الصالح، فذكر قائلًا: "إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب، كما أن البيت إذا لم يسكن خرب" (٣) وذكر أيضًا قوله:

"بقدر ما تحزن للدنيا، كذلك يخرج هم الآخرة من قلبك، وإذ قد تبين أن الحزن لا يزال ملازمًا لقلوب المتقين، فينبغي أن يتقي إفراطه، لأن الحزن إنما يكون على الفائت" (٤) والحزن الذي يقصده ابن الجوزي، هو الذي يجعل المرء قريبًا من الله تعالى، بعيدا عن الذنوب والمعاصي وعن التفكير الدائم في متاع الدنيا وما فاته منها، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "فإن كان المحزون عليه لا يمكن استدراكه لم ينفع الحزن وإن كان دينًا فينبغي أن يقاومه برجاء الفضل والرحمة لتعديل الحال، فأما إذا


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١١٨.
(٢) مرجع سابق، ابن قيم الجوزية. طريق الهجرتين وباب السعادتين. ص ٣٦٠.
(٣) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١١٨.
(٤) المرجع السابق، ص ١١٨.

<<  <   >  >>