للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى التفرق، ومن رام بقاء ما لا ينبغي، كان كمن رام وجود ما لا يوجد، فلا ينبغي أن يطلب من الدنيا ما لم توضع عليه، كما قال الشاعر:

طُبِعَت عَلَى كَدَرٍ وَأَنْتَ تُرِيدُها ... صَفْوًا من الإِيذاءِ والأكدارِ" (١)

فإذا أدرك حقيقة الدنيا والهدف من وجودنا، خفف من تعلقه بها، فذهب همه وغمه.

٤ - تصور حوادث الزمان بصورةٍ مبالغ فيها:

ومن العلاج أيضًا لقطع دابر الغم والهم أن يبالغ في تصور حوادث الزمان حتى إذا نزلت هانت عليه، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "ثم يتصور ما نزل به مضاعفًا، فيهون عليه حينئذ ما هو فيه، ومن عادة الحمّال الحازم أن يترك فوق حمله شيئًا ثقيلًا، ثم يمشي خطواتٍ، ثم يرمي به فيخفُّ الأمر عنه، ثم ليرتقبْ زمن العافية هجوم البلاء، وليتخيل كما يتصور نزوله نازلًا. فإذا نزل بعض ذلك، كان ربحًا مثل أن يتصور أن يؤخذ ماله كله، فإذا أخذ البعض عد الباقي غنيمةً، ويتصور أن يعمى، فإذا رمد سهل الأمر، وكذلك جميع المضرات" (٢).

فإذا تدرج المرء في الأخذ بهذا العلاج، خفت حدة الغم والهم على حظوظ الدنيا.

٥ - معالجة المزاج السوداوي:

بيَّن ابن الجوزي أن الحزن والغمّ والهمّ قد يحدث من غلبة المزاج السوداوي، وهو الذي يميز صاحبه بأنه "شخص ضعيف ونحيل القوام، يتميز سلوكه بالانطواء والكآبة والتشاؤم وبطء التفكير وصعوبة التعامل مع الآخرين" (٣)، وعلاجه كما يرى ابن الجوزي: "بما يزيل السوداء


(١) المرجع السابق. اللطائف والطب الروحاني. ص ١٢٠.
(٢) المرجع السابق، ص ١٢٠.
(٣) مرجع سابق، محمد، محمد، محمود. علم النفس المعاصر في ضوء الإسلام. ص ٣٦٩.

<<  <   >  >>