للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يكون ممدوحًا، فأما المذموم حسب المعنى اللغوي، ما جاء معناه: الفرح: "البطر. وقوله تعالى: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} (١)، قال الزجَّاج: معناه، والله أعلم: لا تفرح بكثرة المال في الدنيا لأن الذي يفرح بالمال يصرفه في غير أمر الآخرة، وقيل: لا تفرح لا تأشر، والمعنيان متقاربان لأنه إذا سُرَّ ربما أشر" (٢)، وقد قال الله تعالى في الفرح بمتاع الدنيا: {وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ} (٣).

أما الفرع المحمود في المعنى اللغوي، فهو كما جاء "في حديث التوبة: للهُ أشدُّ فرحًا بتوبةِ عبدهِ. الفرح ههنا وفي أمثاله كناية عن الرضا وسرعة القبول وحسن الجزاء لتعذر إطلاق ظاهر الفرح على الله تعالى" (٤). وقد وردت الآيات القرآنية الكريمة لتؤكد حسن هذا الفرح المحمود كما في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} (٥). وقوله تعالى: {فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا} (٦).

والفرح كغيره من الانفعالات التي إذا قلت أو زادت ضرت الإنسان، لذلك ينبغي الاعتدال فيها، وفي ذلك يقول ابن الجوزي: "إذا اشتدَّ الفرح التهب الدم، وذلك يضرّ، وربما قتل إن لم يعدل" (٧)، ولاسيما إذا كان الباعث على الفرح متعة من متاع الدنيا، فإذا فقدها تملكه الحزن وانتابه اليأس، وقد صوره القرآن الكريم بقوله: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} (٨).


(١) سورة القصص، الآية ٧٦.
(٢) مرجع سابق، ابن منظور. لسان العرب. المجلد الثاني، ص ٥٤١.
(٣) سورة الرعد، الآية ٢٦.
(٤) مرجع سابق، ابن منظور. لسان العرب. المجلد الثاني، ص ٥٤١.
(٥) سورة يونس، الآيتان ٥٧ - ٥٨.
(٦) سورة الإنسان، الآية ١١.
(٧) مرجع سابق، ابن الجوزي. اللطائف والطب الروحاني. ص ١٢٥.
(٨) سورة هود، الآيتان ٩ - ١٠.

<<  <   >  >>