للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهوات المردية والبطالة المؤذية افتقرت إلى مقوم، ومثقف ومحذر يرد، فهي في ضرب المثل كالماء يجري بطبعه، فإذا رد بسكر (١) وقف عن جريانه، ثم أخذ يعمل في فتح طريق.

فكما ينبغي أن يتعاهد ذلك السكر بالإحكام، فكذلك ينبغي أن تتعاهد الطباع بالزواجر ولا ينبغي أن يطول أمد التعاهد، فإن عمل الماء في باطن السكر دائم وإن خفي. وكذلك الطباع في ميلها إلى ما يؤذيها، ولهذا بُعث الأنبياء بالترغيب والترهيب، وأُنزلت عليهم الكتب للتثقيف والتأديب، فما زالوا مبشرين ومنذرين. ثم خلفهم العلماء. وقد كان العلماء كلهم يذكرون بفتاويهم وعلمهم" (٢).

وقد اقتضت حكمة الله تعالى المعالجة، لطبيعة النفس البشرية، أن تتعدد الأساليب التربوية في القرآن الكريم والسنة النبوية وتتنوع، حتى يتربَّى الإنسان من خلالها، ويعدِّل سلوكه، ويرتقي بنفسه، لأن "كل لون من هذه الألوان ينفذ إلى النفس من أحد منافذها، ويلعب على بعض أوتارها حتى يغادر الإنسان في النهاية، ولم يبق منفذ واحد لم ينفذ إليه، ولا وتر واحد لم يوقع عليه، ولا جانب ولا اتجاه" (٣).

وأهم الأساليب التربوية التي ذكرها ابن الجوزي هي:

أسلوب القدوة، أسلوب الكتابة والتأليف (الأسلوب المباشر)، أسلوب القصة، أسلوب الوعظ، أسلوب الترويح عن النفس، أسلوب ملء وقت الفراغ، وأسلوب الثواب والعقاب. وسأركز على الأساليب التربوية المتعلقة بتربية الأطفال، لارتباطها بموضوع هذا الفصل.


(١) معنى سكر: "وسكر النهر يسكره سكرًا: سد فاه. وكل شق سدَّ، فقد سُكِر، والسكر ما سدَّ به. والسكر: سد الشق ومنفجرِ الماء، والسكر: اسم ذلك السداد الذي يجعل سدًا للشق ونحوه". ومعنى الماء الساكر: الساكن الذي لا يجري، وقد سكر سكورًا. وسَكَرَ البحرُ: رَكَدَ". مرجع سابق، ابن منظور. لسان العرب. المجلد الرابع، ص ٣٧٥.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. كتاب القُصاص والمذكرين. (تحقيق) الصباغ، د. محمد، لطفي، ص ١٧٣ - ١٧٤.
(٣) مرجع سابق، قطب، محمد. منهج التربية الإسلامية. الجزء الأول، ص ٢٢١.

<<  <   >  >>