للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتقويم ألفاظه ثم فهمه ثم العمل به ثم الإقبال على ما يصلح النفس ويطهر أخلاقها، ثم التشاغل بالمهم من علوم الشرع" (١).

ونلاحظ من قول ابن الجوزي، أنه دلنا على الطريقة الصحيحة لدراسة القرآن الكريم وما ينتج من حفظه، من تقويم ألفاظ الطفل للغة العربية، ثم فهم معانيه من خلال تفسير آياته، وبعد الفهم الواعي للاْحكام، يتم التطبيق والعمل به، بما يطهر النفس البشرية ويهذبها ويقوم سلوكها، ويرقي خلقها، من خلال أسلوب القرآن الذي يجمع بين الوعد والوعيد، والقصص والأمثال. فتسري روح القرآن في نفس الطفل وقلبه، فتغمره بنورها في أفكاره ومداركه وحواسه، فيتشبع الطفل به، ويتخلق بأخلاقه ويسمو بآدابه.

وبعد أن يتقن الطفل الكريم حفظًا وفهمًا وعملًا، ينظر في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقال ابن الجوزي: "أنفع العلوم النظر قي سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه" (٢). وذلك حتى يقتدي الطفل بالرسول - صلى الله عليه وسلم - في سلوكه وخلقه وعلمه، وفى كل ما يتعلق بحياته العامة والخاصة، لقول الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (٣).

وقد حذر ابن الجوزي من عادات أصحاب الحديث لأنهم "يفنون الزمان في سماع الأجزاء التي تتكرر فيها الأحاديث، فيذهب العمر، وما حصلوا فهم شيء. فإذا بلغوا سنًا طلبوا جواز فتوى، أو قراءة جزء من القرآن، فعادوا القهقهري، لأنهم يحفظون بعد كبر السن فلا يحصل مقصودهم" (٤). وهناك نوعيات أخرى من أصحاب الحديث ذكرهم ابن الجوزي بقوله: "فمنهم من يتشاغل بالحديث وعلمه وتصحيحه ولعله لا يفهم جواب حادثة، ولعل عنده للحديث مائة طريق. ومنهم من يجمع الكتب ويسمعها ولا يدري ما فيها، لا من صحة حديثها، ولا من فهم


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. تلبيس إبليس. ص ١١٢.
(٢) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٦٦.
(٣) سورة الأحزاب، الآية ٢١.
(٤) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٤٤.

<<  <   >  >>