للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابن الجوزي كغيره من الناس -وبوصفه عالمًا من علماء المسلمين- عاش حياته بكل ما فيها من شقاء ونعيم، وخاض غمارها بكل ما لديه من إيمانٍ وصبرٍ وعلم ويقين بالله تعالى، فكانت حصيلة عمره خبرات وتجارب، قدمها لغيره حتى يستفيد منها، ويواجه بنجاح ما قد يعترضه من عقبات وصعوبات.

بالإضافة إلى أن ابن الجوزي أدرك الأثر العظيم الذي يكون في النفس البشرية، بعد معرفة تجارب الغير، وما فيها من خير أو شر، وهو من الذين تأثروا بتجارب غيرهم، وحاول أن يستفيد منها فقال في هذا الشأن: "ولقد تأملت نفسي بالإضافة إلى عشيرتي الذين أنفقوا أعمارهم في اكتساب الدنيا، وأنفقت زمن الصُّبوَّة والشباب في طلب العلم، فرأيتني لم يفتني مما نالوه إلا ما لو حصل لي ندمت عليه" (١).

هناك الكثير من المواقف الحياتية، والتجارب الشخصية التي عاشها ابن الجوزي، ولمس ثمرتها الروحية والعلمية والعملية في حياته، فشعر بسعادة الدنيا، ورجا حسن الجزاء من الله تعالى.

تجاربه العلمية

أ - ومن المواقف التي حكى فيها ابن الجوزي معاناته، وما لقي فيها من صعوبات، وما أثمرت من الثمرات، تجربته العلمية، قال فيها: "كنت في زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة، فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء. فكلما أكلت لقمة شربت عليها، وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم. فأثمر ذلك عندي أني عُرفت بكثرة سماعي لحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأحواله وآدابه، وأحوال أصحابه وتابعيهم، فصرت في معرفة طريقه كابن أجود (٢).

وأثمر ذلك عندي من المعاملة ما لا يدرى إلَّا بالعلم، حتى إنني أذكر في زمان الصبوة، ووقت الغلمة والعزبة قدرتي على أشياء كانت


(١) مرجع سابق، ابن الجوزي. صيد الخاطر. ص ٢٣٥.
(٢) ابن أجود: بحثت ولم أصل بعدُ إلى معرفة هذا الرجل.

<<  <   >  >>