للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ب - أما تجربته الثانية فهي معاناته من أهل الفراغ، الذين لا يعرفون معنى الحياة، وقيمة الوقت فهم يضيعونه فيما لا يفيد.

فهو يحكي تجربته مع أهل الفراغ، وتضييع الزمان، وما ألهمه الله تعالى لاغتنام الأوقات، قال ابن الجوزي: "لقد رأيت خلقًا كثيرًا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمُّون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس ويجرون فيه أحاديث الناس وما لا يعني، وما يتخلله غيبة .. ،

فلما رأيت أن الزمان أشرف شيء، والواجب انتهابه بفعل الخير، كرهت ذلك وبقيت منهما بين أمرين. إن أنكرت عليهم وقعت وحشة لموضع قطع المألوف، وإن تقبَّلته منهم ضاع الزمان.

فصرت أدافع اللقاء جهدي فإذا غُلبت قصرت في الكلام لأتعجل الفراق.

ثم أعدد أعمالًا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم لئلا يمضي الزمان فارغًا. فجعلت من المستعدِّ للقائهم قطع الكاغد وبري الأقلام، وحزم الدفاتر، فإن هذه الأشياء لابدَّ منها، ولا تحتاج إلى فكر وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم لئلا يضيع شيء من وقتي" (١).

ويمكن استخلاص الفوائد التربوية الآتية من هذه التجربة:

١ - الإحساس بقيمة الوقت وشرفه.

٢ - أهمية التفكير الجدي لإيجاد الحلول والبدائل فيما يعترض الإنسان من مشكلات اجتماعية وغيرها.

٣ - الاستفادة من كل لحظة من لحظات العمر فيما يفيد.

٤ - شغل الأوقات كلها بما يناسبها من أعمال لا تُضَيِّع حقًّا، ولا تفوِّت واجبًا.

جـ - تجربة شخصية أُخرى لابن الجوزي في مجال التحصيل


(١) المرجع السابق، ص ٢٢٧ - ٢٢٨. المرجع السابق (تحقيق) الطنطاويان، ص ٢٠٦.

<<  <   >  >>