للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والعقل، "ولكنهم اختلفوا في تقديم أحدهما على الآخر، فذهب أنسيلم إلى: أن العقيدة يجب أن تسبق المعرفة، وأن الشك لا يمكن قبوله مقدمة أو تمهيدًا للعقيدة، ويقول في هذا الشأن: "أنا لا أبحث عن المعرفة لكي أؤمن ولكني أؤمن لكي أصل إلى المعرفة"، "أحرى بالمسيحي أن يتقدم إلى المعرفة عن طريق الإيمان، لا أن يصل إلى الإيمان عن طريق المعرفة.

أما بطرس أبيلارد فقد ذهب إلى أن: "العقل متقدم أو سابق للعقيدة وأنه يمكن جعله أساسًا لعقيدة الكنيسة" (١).

وقد وجهت لهذه الحركة انتقادات عدة، منها: "اتهامها بضيق ميدانها الفكري، فإن مجال تطبيقها لم يتعد في الغالب الأعم العقائد والتعاليم الدينية، والمبالغة في تقدير المنطق الأرسطوطاليسي، والوقوف عند حدوده، وتركيزها على اللفظ والشكل والأمور المعنوية المجردة. فكان رجالها يجهدون أنفسهم بالبحث في أمور ميتافيزيقية، وفي مسائل وهمية لا حقائق واقعية تؤيدها الملاحظة الحسية. وكانت كتبهم كما قال هلام: "تحتوي على مجردات عقلية لا قيمة لها، وعلى قضايا مفروضة فرضا وعلى تعريفات مملوءة بالألفاظ التبريرية المزعجة" (٢).

وعلى الرغم من هذه الانتقادات التي وجهت لهذه الحركة، فإن لها مزايا متعددة منها "تحرير العقل المسيحي من النظرة الدينية الضيقة، وإلى الإيمان بأن العقل والدين ليسا متناقضين، والتحسين من أساليب البحث والتأليف والشرح للعقائد والتعاليم الدينية، ووضع مجموعة كبيرة من المفردات والمصطلحات الفلسفية والعلمية سهلت سبل الاتصال والبحث العلميين على مفكري العصر الوسيط والعصور اللاحقة له، وترك مجموعة كبيرة من المؤلفات القيمة في ميادين الدين والقانون والفلسفة، وإنتاج طائفة كبيرة من مشاهير الرجال الذين خدموا العلم والدين في ذلك الوقت (٣). وقد سبق ذكرهم.

ومن أهم منجزات العصر الوسيط هو نشأة الجامعات الأوروبية،


(١) المرجع السابق، ص ٥٧ - ٥٨.
(٢) المرجع السابق، ص ٥٨.
(٣) المرجع السابق، ص ٥٨.

<<  <   >  >>