للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأخلاق من الطبيعة الإنسانية، ولا من عادات الناس .. ، بل من العقل ذاته مباشرة، ولهذا فإنها لن تستعين بعلم النفس ولا بعلم الإنسان (و"كانت" يوحّد مرارًا بين علم النفس التجريبي وعلم الإنسان، لأن موضوعهما واحد وهو معرفة الطبيعة الإنسانية). والسبب في ذلك هو أن معطيات علم النفس (أو علم الإنسان) هي من الغموض والتشعب والتشتت بحيث لا يمكن أن نستخلص منها قواعد كلية مطلقة، وفيها خلط بين المبادئ والأحوال الجزئية، بحيث تتوقف النتائج المستخلصة على الأحوال الفردية والميول والعواطف الخاصة. وآفة المذاهب التي تميل إلى تفسير الأخلاق بتراكيب النفس الإنسانية أو الطبيعة الإنسانية، أو بالظروف التي يعيش فيها الإنسان هي أنها لا تملك أن تقدم غير قواعد متفاوتة العموم، ذاتية، بدلًا من أن تقدم قوانين كلية موضوعية للإرادة" (١).

ومحور مذهب "كانت" الأخلاقي هو فكرة (الواجب): والواجب في نظره هو: "شعور بإلزام عقلي مع إدراك استحالة ضده، هو أمر مطلق نطيعه وفاقًا لطبيعة العقل العملي الذي يميز الإنسان -باعتباره حيوانًا ناطقًا- عن سائر الكائنات. من أجل هذه اقتضت الأخلاقية أن يلزم الإنسان نفسه بمحض إرادته بسلوك يضحي فيه بمطالب جسمه ودوافعه طاعة لنداء العقل دون اكتراث بوجدان أو عاطفة أو نحوها، وإلا افتقد الفعل قيمته الأخلاقية" (٢). وتفسير قوله هذا هو: "أن الفعل لكي ما تكون له قيمة أخلاقية، فعليه ليس فقط أن يتفق مع الواجب، بل ويجب أيضًا أن يفعل من أجل الواجب. . . . وأن الفعل الذي ينجز بحسب الميل فقط، أو عن دافع مثل الرغبة في السعادة، فليس له قيمة أخلاقية" (٣).

وقد ضرب (كانت) مثلًا لتعريف الواجب قال فيه: "حينما تكون الأفعال قابلةً لأن تؤدى عن واجب وعن ميل مباشر. فمن واجبي مثلًا


(١) المرجع السابق، ص ٣٣. بتصرف يسير ..
(٢) الطويل، د. توفيق. فلسفة الأخلاق. نشأتها وتطورها. القاهرة، دار النهضة العربية، الطبعة الرابعة، ١٩٧٩ م، ص ٤١٥.
(٣) مرجع سابق، بدوي. الأخلاق عند كنت. ص ٥١.

<<  <   >  >>