وأخوه المذكور وإن كان أشهر منه فقد قرأ عليه أولًا وبرع عليه في مدة قليلة، ثم رحل إلى القدس الشريف فأخذ عن علمائها ومنهم الشيخ تقي الدين إسماعيل القلقشندي وكان المذكور عين العلماء ببيت المقدس إذ ذاك وقرأ عليه الأصول والفقه وأتقنه في قريب السنة، ثم رحل إلى دمشق وهو عالم قد ناهز الإفتاء قبيل الثمانين.
وقال الشيخ تقي الدين بن قاضي شهبة:
وكانت رحلته في سنة تسع وسبعين -بتقديم التاء في الأولى فقطنها وأنشد لسان الحال:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قرَّ عيناً بالإياب المسافر
وأخذ عن الأئمة الأعلام إذ ذاك كالشيخ شهاب الدين الزهري وشرف الدين الشريشي ونجم الدين ابن الجابي وهؤلاء الثلاثة هم مشايخ الشافعية إذ ذاك بالشام. وأطبق على الاشتغال بقلب وإقبال وطالع غالب كتب المذهب المشهورة كالروضة وأصلها وابن الرفعة وغير ذلك وبلغني أن كلًا من هذه الكتب مرّ عليه مرات حتى تميّز على الأقران.
وانتهى في الشامية البرانية سنة ثلاث وثمانين وسبع مائة، ولم تكن له فقاهة بها إذ ذاك، بل كتب على أربعين مسألة على العادة ما بهر به المشايخ وأذن له مشايخه المذكورون بالإفتاء.
ثم حجّ إلى بيت الله الحرام ورفيقه العلامة برهان الدين الباذلي الصنهاجى عالم المالكية ومفتيهم، وجاور بمكة سنة سبع وثمانين وحصّل فيها علماً كثيراً ثم رجع إلى الشام وقد صبّ الله عليه العلم صباً.
وتصدى للإشغال والإفتاء وشيوخه متوافرون وانتفع عليه جماعة من الفضلاء حتى تركوا المشايخ ولازموه، وبلغني عن بعض شيوخه أنه كان يرسلهم إليه ويغبطهم به ويحضهم على ملازمته.
ودرّس بالعذراوية والناصرية لمّا ولّي إعادتهما قبل الفتنة باعوام وحضره الأعلام من مشايخه وغيرهم، ودرس بالشامية الجوانية والأتابكية بالصالحية والكلاّسة.