للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والإفتاء ونفع الناس ورحلت إليه الفضلاء من أقصى البلدان وسارت بفتاويه ومصنفاته الركبان، وطار اسمه فملأ الآفاق حتى قال شيخنا العلامة القدوة الإمام علاء الدين البخاري -رحمه الله-: بلغني ذكر والدك فيما وراء النهر من أقصى معاملة العجم واشتهر هناك فضله، وناهيك بهذا المقام، وكان يطالع في بعض حواشيه على مختصر ابن الحاجب ويقول: هذا كلام الراسخين في العلم.

وأما ديانته وأمانته في ولايته وغيرها وقيامه في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم فالكلام فيه عيّ لأنه مستفيض معلوم عند الموافق والمخالف.

وعرض عليه قضاء الشافعية بالشام مرات من مشافهة الأمير نوروز الحافظي والمؤيد شيخ فامتنع، فقالوا له: من يصلح مع وجودك وأنت عالم الشام؟ فقال: ابن شيخنا القاضي تاج الدين ابن الزهري، فامتثلوا ما قاله وولوا المذكور، بعد أن عين للمنصب غيره ممن لا يصلح، ولقد حلف بالله سبحانه أنه ما ارتكب فاحشة قط ولم تصدر منه بحضرة أقرانه وتلاميذه.

وكان -رحمه الله تعالى- مواظباً على وظائف العبادات من الأوراد الواردة في السنة صباحاً ومساءاً، وكذلك على تلاوة القرآن لا سيما عن ظهر القلب وعلى صلاة النوافل، كثير الاستعانة بالله تعالى والتضرع إليه والتوسل بسيد الأولين والآخرين في كل مقام لا جرم كلما وقع في كربة فرّج الله عنه قريباً ولقد عمل على أذاه جماعة وكفاه الله إياهم.

وأما صفته -رحمه الله تعالى- فكان حسن الشكالة مليح القامة أزهر اللون نحيل الجسم متماسك القوة والحيل، بشوشاً متواضعاً مع الحرمة الوافرة، له على طرف خده الأيسر شامة حسنة، مهيب النظر منور الشيبة، ذا رأي وعقل متين وشجاعة تامة مقداماً في المهمات، كثير المروءة والسخى، يتقضى حوائج الناس بنفسه سواء كان بينه وبينه صحبة ومعرفة أم لا، لا سيما الغريب والضعيف، يقول الحق على نفسه وجماعته ليس عنده مداهنة ولا خداع ولا غل، قال شعبان العالم الشاعر:

وإن جئت في الحاجات يوماً لبابه ... يقوم ويسعى في رضاك ويجهد

<<  <   >  >>