له إحسان إلى طلبة العلم وأهل الخير وعنده موافاة لأصحابه وغيرهم، وكان في آخر عمره في يومي السبت والثلاثاء يعزم الطلبة والفقراء ويطبخ لهم الألوان المفتخرة، وينبسط مع الفقراء الصالحين ويخدمهم بنفسه، كثير الاتضاع معهم، شديد النفس والارتفاع على أهل الدولة والأغنياء.
ولم يزل على ما ذكرناه من أنواع الخيرات يحاسب نفسه على الفترات لا يصرف أوقاته إلا في العلم وسائر أنواع الطاعات مقيماً على تربية الطلبة ولهم به جمال إلى أن حسدهم الزمان وشتت شملهم ونعق بهم غراب التفريق فبدد جمعهم، وأراد الله له الخير والفلاح حيث قضى له بمجاورته في أفضل البقاع فعزم على الحج إلى بيته الحرام مع أولاده في هذه الكرة الثالثة التي قضى الله بأنها خاتمة، وكنت معه عقيب صلاتي بالقرآن وأخذي في المنهاج.
فخرجنا في أوائل شوال سنة إحدى وعشرين وثمان مائة، وكانت وقفة الجمعة وحجّ فيها خلق كثير من سائر الآفاق، فلما وصلنا إلى مكة وقضينا مناسكنا عزم على المجاورة بسعادته، وفرح به المكيون وانتصب هناك للإفادة ونفع الناس، وحضره بقية العلماء من شيوخ مكة من المذاهب الأربعة وقرئ عليه. . . . لصغري واشتغالي على الفقيه بالمنهاج لأدركها وحضرت عليه بعضها.
إلى أن أتت الأشهر الثلاثة فتنكرت طباعه وبدت أوجاعه وكانت متنوعة.
وكان إذا حصل له خفة ما يخرج إلى التنعيم وأنا معه فنأتي بالعمرة، فعل ذلك في رجب وشعبان مرات.
ثم إنه اشتد الأمر وفي رمضان بعد أن صام منه أياماً وهو مع ذلك طيب الخاطر راض بما قدره الله إلى أن أتاه أجله وانقضت أيامه ودوله.
فرحل إلى رحمة الله تعالى وهو يتلو القرآن ويشير إلى الجماعة الحاضرين عند احتضاره بالسلام -كالشيخ العلامة نجم الدين المرجاني وغيره- والتوديع وهو مستقبل الكعبة على اليمين، كان أولًا مستلقياً على