قفاه كغالب هيئة المحتضرين فأشار في تلك الحالة باستدارة السرير ووضع جنبه على ما ذكرناه وذلك عند أذان الظهر يوم الخميس سادس شوال سنة اثنين وعشرين وثمان مائة.
فضج الناس بالنحيب والبكاء وعزى المسلمون بعضهم بعضاً وخرج أهل مكة المشرفة بأجمعهم من القاطنين والغرباء، ولا أعلم من تأخر إلا من هو عاجز عن الحركة.
وغسّله العبد الصالح المشهور بالولاية شمس الدين محمد المرشدي أخو الشيخ العلامة نجم الدين المرجاني وصُلِّي عليه بالملتزم بين الباب والركن الأسود بعد صلاة الإمام الشافعي العصر بمقام إبراهيم.
وحمله على الرؤوس القضاة والعلماء ومنهم تلميذه العلامة قاضي القضاة محب الدين ابن ظهيرة الشافعي، وأظنه استمر مع بقية رفقته إلى المقبرة.
فدفن بالمعلاة بتربة النورين عن يمينك وأنت داخل بثنية كذا بعد العصر، وكان يوماً مشهوداً وتردد الناس إلى قبره الأيام الثلاثة.
ورثاه جماعة بمراث بديعة، وسمع من قبره تلاوة يس، ولقد أخبرني هناك جماعة من الصالحين ممن بات على قبره أن جماعة أتوا إلى قبره عليهم العباء، فصلوا عليه جماعة ومنفردين ثم يذهبون كالبرق لا يدري الرائي كيف يذهبون قبيل المغرب أو بعده بعد ذهاب الناس يوم الدفن.
ورؤيت له منامات كثيرة عظيمة، ولقد رآه صاحبه الشيخ نجم الدين المرجاني المتقدم في أوائل المحمدين وهو أحد الأئمة بمكة في المنام بعد موته بسنة ليلة عرفة وعليه ثياب بيض على هيئة المحرمين، فقال له على الفور: {يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)} (١).
وهذا المنام له بقية وسبب، وهو أنه لما مات الوالد ورجعنا إلى الشام