كلمته على من يعاديه، وحصل له من الجاه في زمنه ما لم يحصل لغيره من أقرانه بل ولا من مشايخه مع كثرة أضداده ومعانديه ومحنه.
ثم ولي كتابة السر بالقاهرة في جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين فباشرها تسعة أشهر ونيفاً على وجه جميل وحرمة زائدة وعدم الاكتراث بمباشري القاهرة، وعظم عند الأشرف، حتى بلغني عنه أنه إذا وقعت حكومة شرعية عنده بعد نزول القضاة الأربع وطلب أهلها الشرع فيقول لهم الأشرف: هذا الشرع، ويشير إلى القاضي نجم الدين.
ثم عمل عليه ووقع بينه وبين جانبك الدودار فعزل منها فأخرج على وجه غير مرضي إلى غزّة وغُرّم مالاً كثيراً ودخل دمشق وخرج للقائه أعيانها من القضاة وغيرهم وهو في عقب ذلك الحال.
وتفرّغ في هذه البطالة فدرّس في المدارس المتقدم ذكرها وتصدى للإفتاء والكتابة وجمع الفوائد وعظم في النفوس وكان جيد التصرف في العلوم جيد الذهن حاد القريحة ذكياً فصيحاً يُلقي الدروس بتأنّي وتؤدة حتى قال الشيخ جمال الدين الطيماني أنه كان يدرّس أحسن من أخيه.
وقد شاهدت تدريسه فكان حسناً مرتباً مفيداً إلى الغاية، وكان مع عظمته حسن الملتقى للناس محباً للفقراء معتقداً لهم، محسناً للغرباء القادمين عليه كثير المساعدة لأهل العلم والإحسان إليهم والتودد لهم، قامعاً للظلمة والمبتدعة لا يهاب أحداً منهم ولا يبالي بهم والله يؤيده وينصره.
وحصل للفقهاء به عمر ورفعة ومحاسنه كثيرة جمّة وعليه مآخذ الله يسامحه بها ويسامحنا.
ثم قتل بمنزله بالنيرب (١) ليلة الاثنين ثاني القعدة سنة ثلاثين وثمان مائة عن ثلاث وستين سنة ودفن بالصوفية إلى جانب أخيه الشيخ شهاب الدين -رحمهما الله تعالى. انتهى ملخصاً من كلام بعض المؤرخين.